من المجلس الوطني للصحافة الى اللجنة المؤقتة للصحافة .. مخطط حكومي لإغلاق المقاولات الإعلامية الصغرى
رفضا للاعتراف بضعفها المتزايد على أمل استعادة قوتها في السلطة، الحكومة تمدد للجنة المؤقتة التي تسير المجلس الوطني للصحافة لإجراء انتخابات ولكن في الوقت المناسب الذي ستحدده.

رفضا للاعتراف بضعفها المتزايد على أمل استعادة قوتها في السلطة، الحكومة تمدد للجنة المؤقتة التي تسير المجلس الوطني للصحافة لإجراء انتخابات ولكن في الوقت المناسب الذي ستحدده.
عبد العالي الجابري
مدير نشر Gil24.ma
ورئيس فرع جهة الشرق للفيدرالية المغربية لناشري الصحف
اصدر المكتب التنفيذي للفيدرالية المغربية لناشري الصحف، عقب اجتماعه الجمعة 14 أبريل 2023، عشية مصادقة المجلس الحكومي على مشروع القانون الخاص بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير ما سمي بشؤون الصحافة والنشر.
وتأسف، المكتب التنفيذي للفيدرالية المغربية لناشري الصحف، لما آلت إليه شؤون تدبير المهنة التي انحرفت عن القيم التي دافع عنها جيل الذهبي، ما فتئ يفارقنا الواحد تلو الآخر، كالراحلين خليل الهاشمي الإدريسي رئيس الفيدرالية الأسبق، ووزير الاتصال الأسبق خالد الناصري، كما استبشر خيرا في الجيل القادم اذ رحب المكتب بالزميلة سناء العمراني التي عوضت والدها الراحل عبد الله العمراني…
واضاف البلاغ انه تلقى بارتياح التصدي القوي والتلقائي، من طرف الرأي العام المهني والمجتمع المدني وفاعلين جمعويين وسياسيين وشخصيات مشهود لها بالنزاهة والكفاءة لهذا المشروع، فإنه يعتبر أن هذا الموضوع لا يهم استهداف منظمات مهنية ومحاباة أخرى فقط، بل إنه استهداف للصحافة الوطنية واستقلاليتها وطموحات تأهيلها وتكريس تعدديتها.
كما اعتبر تبريرات الحكومة جد ضعيفة وغير ذات معنى بل لم نشهد هذا الوضع حتى في السنوات الصعبة التي عاشها المغرب قبل العهد الجديد، ومنها عدم وجود آلية لإجراء انتخابات المجلس الوطني للصحافة مع أن المادة 54 من القانون المحدث للمجلس هي مادة أصلية وليست منتهية الصلاحية كما ادعى وزير التواصل، وتنص المادة 09 على أنه في حالة تعذر على المجلس القيام بمهامه فإن الإدارة تدعو اللجنة المنصوص عليها في المادة 54 التي يترأسها قاض للأخذ بزمام الأمور وتنصيب لجنة مؤقتة للإعداد للانتخابات في غضون ستة أشهر.
واستغرب البلاغ لتحليلات السيد الوزير ، غير الوفق في مهمته على ما يبدو، وزير يشتغل حسب توقعاته الشخصية غير المنطقية، ويستعمل تفسيرات قارئة الفنجان، فهو الذي سبق وقال في آخر لقاء مع الفيدرالية إن وزارته استبعدت سيناريو الانتخابات “لأن هذه الانتخابات ستنتج نفس التركيبة” .
وزير يعطي لنفسه حقا اكبر من حجمه، وهو الفاقد للتجربة الميدانية، وزير يعتبر نفسه وصيا على اختيارات الصحفيين، ويرفض ان يتم انتخاب نفس الاشخاص فيحجم عن إجراء استحقاق ديموقراطي لأنه غير راض عما قرأه من نتائج في الفنجان !
ثم يمدد في عمر نفس التركيبة بمبادرة منه هو “المصر على التغيير” ، بل عمل من اجل ذلك على استصدار قانون (مع وجود قانون اصلي) سيعمل بكل ما اوتي من قوة لتمريره برلمانيا بعدما مرره حكوميا…
لكنه بهكذا حل يرمي بهذه الكرة الملتهبة للحكومة القادمة، لأنه ونظرا لما تبقى في عمر هذه الحكومة فسنتين ستجعلنا مع موعد الانتخابات التشريعية القادمة اقرب ليتم التمديد ، مهما كانت الاقتراحات، سيتم ارجاء الحسم الى ما بعد تشكيل الحكومة القادمة… وهذا في حد ذاته تعبير واضح على عدم القدرة على تحمل المسؤولية.
ونبه البلاغ الى الهدر الزمني الذي مورس على مهنة الصحافة حيث تم العمل بمقتضى قوانين النشر والصحافة وتقنين مهام المجلس الوطني للصحافة منذ يناير 2019، فإذا كانت لجنة مؤقتة لها كل صلاحيات المجلس الوطني للصحافة ستقدم لنا تصورا لترسانة جديدة للقوانين يقال إنها ضرورية قبل إجراء الانتخابات، فلماذا لم تفعل ذلك وهي نفسها التي ظلت تقود المجلس لمدة أربع سنوات وستة أشهر؟ ولماذا إضافة حولين كاملين لجزء من المجلس سيشتغل بالقوانين الحالية.
والاصح كان، اجراء انتخابات بناء على تصورات ومشاريع برامج، تفرز تركيبة جديدة ذات شرعية حقيقية تحسم في التنازع حول الأكثر تمثيلية، وتصلح ثغرات القوانين الحالية بدل الانزلاق وراء مصالح فئوية وشخصية ضيقة وإعادة تشكيل المشهد الإعلامي على المقاس، واستهداف المقاولات الصغرى والمتوسطة والصحافة الجهوية، وضرب التعددية، وتهديد مكتسبات الحريات العامة العريقة في بلاد لم يسبق أن لجأت لنظام الترخيص لإصدار الصحف منذ 1958 وإنما ظلت متشبثة بنظام التصريح إلى اليوم.
الدروس الأولى للفكر السياسي، نذكر السيد الوزير، تقول إن المبادرة من أجل التغيير يمكن أن تنبع من ثلاثة مصادر، من النظام نفسه أي من النخبة الحاكمة ومن الجماعات الاجتماعية في البيئة الداخلية ومن النظم في البيئة الدولية، وعادة ما تتفاعل هذه العناصر الثلاثة مع بعضها البعض…
ويكاد يكون هناك اتفاق بين الباحثين على أن أهم أسباب التحول هو تآكل شرعية النظم القائمة.
ويعد تآكل شرعية النظم أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى التحول فضلاً عن بروز معارضة قوية حيث تقوم هذه المعارضة بدور قوي وفعّال في عملية التحول وتغيير النظام القائم.
حينما يفقد أي نظام آليات الضبط ويعجز عن أداء وظائفه فإن شرعيته تصبح مهدده، لأن في النظم السلطوية ليس هناك فرق بين شرعية الحاكم وشرعية النظام، وذلك لأن ضعف أداء النظام يعني سقوط الحاكم ونظامه.
كما يؤكدون على ان أسباب اهتزاز شرعية النظم وتآكلها تعود غالبا إلى غياب آليات التجديد الذاتي حيث تزداد هذه المشكلة خاصة في النظم الواهية التي يصعب عليها أن تجدد ذاتها، فتنصرف هذه النظم لمواجهة إشكالية الشرعية بإحدى الطرق الآتية:
- رفض الاعتراف بضعفها المتزايد على أمل استعادة قوتها في السلطة.
- محاولة البقاء في مراكزها بزيادة التضييق وكبت جماح الأفراد.
- القيام بإثارة النزاعات في محاولة لاستعادة الشرعية بالتحكم.
- محاولة إقامة صورة باهتة عن الشرعية الديمقراطية ، وذلك من خلال تقديم وعود باستعادة الديمقراطية أو إجراء انتخابات ولكن في الوقت المناسب الذي يحدده المتسلط.
- الحديث عن السعي الحثيث لاقامة نظام ديمقراطي، والتي عادة ما تكون ذرا للرماد في العيون ومحاولة التعمير في المركز لأطول مدة ممكنة.
لذا لا يفهم المكتب التنفيذي للفيدرالية المغربية لناشري الصحف كيف أن الحكومة والطرف الذي تنوي تعيينه لإصلاح منظومة الصحافة والنشر يلجآن إلى آليات لا ديموقراطية وبالية وأدنى من القانون الذي ينتقدونه، فهل تعيين لجنة مكونة من طرف واحد لتفصيل قوانين على المقاس وللإشراف على الانتخابات التي ستشارك فيها كمنافس (وهذه سابقة عالمية) هو أحسن من المادة 09 التي تنص على أن اللجنة لا تعينها الحكومة ولكن تستدعيها ويترأسها قاض، وهي اللجنة المستقلة التي تعين لجنة مؤقتة لتسيير شؤون المجلس في انتظار إجراء انتخابات بإشراف قضائي! هل خرق الدستور بالتعيين، وتهييء قوانين خارج الجهة الحصرية التي خولها الدستور ذلك وهي الحكومة والبرلمان أحسن من القانون الحالي أم أسوأ؟
إن الفيدرالية المغربية لناشري الصحف التي كانت خلال 22 سنة من العمل الاقتراحي والتشاركي الجاد في كل الأوراش، ومع مختلف الوزراء من كل الانتماءات، والتي فازت بمائة بالمائة من مقاعد الناشرين في انتخابات المجلس السابقة، تجد نفسها مضطرة لإدانة هذا الانحراف غير المسبوق في مقاربة الشأن الإعلامي الوطني، ليس فقط في ما يتعلق بإقصاء أحد أهم مكونات المشهد الإعلامي بشكل مثير للذهول، ولكن بالخصوص في الإساءة البليغة للمجتمع وحقه في إعلام متعدد ومستقل ونزيه يراقب الحكومة ويسائلها بدل أن يصبح مدينا لها بالتعيين والمنافع، وهي تسلمه سلطة التحكم في الولوج إلى المهنة والخروج منها والتأديب والعقاب بحيث لن نصبح أمام “قضاء الزملاء” ولكن سنصبح في تنظيمنا الذاتي أمام “قضاء الوزراء”.
إن المكتب التنفيذي، وهو يرى محاولات تحريف النقاش إلى مواضيع مشروخة لمن لا حجة له أمام هذه الفضيحة، ليستغرب إخراج اتهامات وهمية حول الدعم العمومي السابق على كورونا، واختلاق إدانات للمجلس الأعلى للحسابات، في الوقت الذي لم يقم هذا المجلس، قبل سنوات، إلا بالتنبيه إلى ما يتم التخطيط له الآن، وهو استحواذ 10 بالمائة من المقاولات الكبرى على 90 بالمائة من مبالغ الدعم.
ونوه البلاغ إلى أنه قبل الدعم الاستثنائي، كانت مبالغ الدعم تنشر للعموم، واليوم نحن نطالب ليس فقط بالعودة إلى تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وترتيب الجزاء على من يستحق ذلك، بل نرحب بقضاة هذا المجلس أن يفتحصونا ويفتحصوا الدعم المقدم لكل الهيئات المهنية، ولنبدأ على الأقل بنشر أرقام استفادة الصحف التفصيلية من الدعم الاستثنائي الذي صرف كأجور خلال 3 سنوات الأخيرة، وتجاوز الخمسين مليارا، والذي طالبنا به بدون جدوى، لأن ما يكتنفه من تفاوتات صارخة هو بالضبط ما أشر عليه تقرير المجلس الأعلى للحسابات الذي يتخذ اليوم كفزاعة لثنينا عن الجهر بكلمة الحق أمام هذا الطريق المسدود الذي نقاد إليه محفوفا بالأراجيف والمناورات، تماما كما جرى في ما سمي بالاتفاق الاجتماعي الذي لم نسمع به إلا “كأيها الناس” ويقال الآن أنه عرض علينا ولم نتجاوب معه!
المرسوم الجديد، اذن ، ليس الهدف منه دعم الصحافة على ما يبدو … و لكن، و هذا هو المهم، قتل المقاولة الإعلامية الصغرى، و جعل المشهد الإعلامي كله يسبح في دائرة صغيرة من المستفدين…
و القائمة معروفة…
يأتي بعد ذلك اشتراط 100 مليون سنتيم، لإحداث مقاولة إعلامية، بغض النظر عن باقي المعطيات الأخرى، والعهدة هنا على منظمة مراسلون بلا حدود، التي حصلت على المعلومة بشك حصري.
في هذا السياق يأتي إصرار الحكومة على التدخل في شؤون المجلس الوطني للصحافة، مع ما قد يصاحب ذلك من تعديلات على قانون الصحافة و النشر، خاصة مسألة الملاءمة القانونية التي جعلت العديد من الجرائد إلكترونية في وضعية لا قانونية، ليحل مكانها الاستثمار الذي سيقود العديد الى الافلاس والاغلاق.
في كل الحالات ما سيصل إلى المقاولات الإعلامية الصغرى، التي ستزج بنفسها في هذه المغامرة، هو الفتات….
إن المكتب التنفيذي للفيدرالية المغربية لناشري الصحف وأمام هذه الهبة المجتمعية المناهضة لهذا المنكر، ليدعو جميع الغيورين على المهنة وعلى المكتسبات الحقوقية لبلادنا وعلى ما تبقى من إعلام جاد ومستقل، أن يواصلوا التعبئة للمواجهة القانونية لمشروع هذه اللجنة المؤقتة غير الدستوري وما يحيط به من سعي حثيث للهيمنة على شؤون المهنة اجتماعيا واقتصاديا وماليا دون اهتمام بالدور المجتمعي لوسائل الإعلام ولا باستقلاليتها ومهنيتها وتأثيرها، ويدعو السادة النواب والمستشارين المحترمين إلى الإنصات لصوت المنطق والحكمة ولنبض المجتمع وللأسس الدستورية والقانونية والأخلاقية للتنظيم الذاتي للمهنة وأن يسقطوا هذا المشروع المشؤوم لما فيه مصلحة الوطن والإعلام الحر والنزيه، ومصلحة طموحات المملكة الحقوقية التي ضحى من أجلها الآباء المؤسسون.
آخر ما يمكننا الاشارة اليه مرحليا، ان ما لم تضرب له الحكومة الحساب، هو أنها يمكن أن تجبر أي مقاولة على الإفلاس والإغلاق، لكنها ستعجز على إرغام الأقلام الصحافية عن التوقف على الكتابة في الفضاءات الفسيحة التي وفرتها التكنولوجية الحديثة، و هي أكثر انتشارا وتأثيرا، و بالمجان.
balagh-15-avril-2023