الصويرة تحتفي بالنزعة الخطوطية: عندما ترسم الخطوط هوية الفن المغربي المعاصر

نادية الصبار – الصويرة ، 14 ماي 2025

تستعد مدينة الصويرة، عاصمة الرياح والإبداع، لاحتضان الحدث الفني الأبرز في المشهد التشكيلي المغربي، مع انطلاق المعرض الوطني الثالث لتيار “النزعة الخطوطية” (Le Traitillisme) من 14 إلى 18 ماي 2025، بفضاء برج باب مراكش التاريخي.

هذا التيار، الذي أسسه الفنان والكاتب المغربي عفيف بناني سنة 2018، يُعد أول حركة تشكيلية مغربية معاصرة تسعى لصياغة لغة بصرية مغربية أصيلة، بعيدًا عن محاكاة التجارب الفنية الغربية، لتضع بصمة وطنية على خارطة الفن العالمي.

النزعة الخطوطية: ثورة بصرية مغربية

تحت شعار “لقد قلّدنا ما يكفي“، يقود عفيف بناني هذا التيار الطموح، الذي يسعى لتحرير الفن التشكيلي المغربي من ظلال التأثيرات الخارجية، وإعادة صياغة الهوية المغربية عبر تقنية مبتكرة تعتمد على تكرار آلاف الخطوط الصغيرة لتشكيل لوحات تحمل طابعًا بصريًا غير مسبوق.

يوضح بناني: “النزعة الخطوطية لا تسعى لتقليد الواقع أو إبراز التفاصيل، بل تدعو المتلقي لإعادة بناء الصورة في مخيلته، من خلال تفكيك الموضوع إلى خطوط لا نهائية.” هذه التقنية، التي وصفها الناقد الفرنسي دانييل كوتوري بأنها “تيار عالمي غير مسبوق“، تتجاوز حدود الجماليات لتصبح تعبيرًا عن الهوية الثقافية المغربية.

المعرض، الذي تنظمه الهيئة الوطنية للرسامين والمصورين الفوتوغرافيين، بالشراكة مع وزارة الثقافة والشباب والاتصال، وجمعية الصويرة موغادور، والمجلس الجماعي للمدينة، يضم 55 لوحة فنية لـ32 فنانًا من مختلف جهات المغرب، إلى جانب فنانين من فرنسا واليابان. هذا التنوع يعكس قدرة التيار على اجتذاب اهتمام عالمي، مع الحفاظ على جذوره المغربية العميقة.

الهوية المغربية في قلب الإبداع

يحمل تيار النزعة الخطوطية رسالة ثقافية تتجاوز الإطار الفني، إذ يسعى لإحياء التراث المغربي المادي وغير المادي بأسلوب معاصر. تبرز هذه الرؤية في أعمال الفنانة عائشة عرجي، إحدى “أميرات التريتيلية” كما يسميها بناني، التي تستلهم ذاكرتها وطفولتها لترسم القصبات، الأسوار، الأبواب القديمة، والحلي التقليدية.

تقول عرجي: “الخطوطية هي لغتي للتعبير عن انتمائي، عن النساء المغربيات، وعن جمال الجنوب الشرقي الذي يحمل قصصًا إنسانية عميقة.” هذا التركيز على الهوية يجعل التيار ليس مجرد تقنية فنية، بل احتفاءً بالذاكرة الجماعية.

بدأت النزعة الخطوطية تحت اسم “الصمت”، لكنها تحولت سريعًا إلى بوح فني جماعي، يعكس تطلع الفنانين المغاربة لخلق هوية تشكيلية مستقلة. وفي هذا السياق، يبرز المعرض كمنصة لتسليط الضوء على الإبداع النسائي، خاصة من خلال أعمال تعبر عن تجارب نساء المغرب، في خطوة تُعد إضافة نوعية إلى الحركة الفنية المحلية.

برنامج ثري ونقاشات فكرية

إلى جانب العرض الفني، يتضمن المعرض برنامجًا موازيًا يعزز الحوار حول الفن ودوره في المجتمع. يوم الخميس 15 ماي، تستضيف بيت الذاكرة ندوة فكرية بعنوان “الانغماس في ألوان موغادور”، تؤطرها الأستاذة أمينة لمغاري، لمناقشة الروابط بين الفن المغربي وتراث الصويرة. أما يوم الجمعة 16 ماي، فيشهد لقاءً مفتوحًا مع عفيف بناني بعنوان “تداعيات اختراع التصوير الفوتوغرافي على الرسم”، حيث يقدم قراءة نقدية لتطور الفن البصري وضرورة ابتكار لغات جديدة في عصر التقنيات الحديثة.

خطوة جريئة مع تحديات مستقبلية

يُمثل تيار النزعة الخطوطية خطوة جريئة نحو تأسيس هوية تشكيلية مغربية مستقلة، لكنه يواجه تحديات لا يمكن تجاهلها. ففي عالم الفن العالمي، حيث تتنافس التيارات الكبرى على الأضواء، يتطلب ترسيخ مكانة هذا التيار جهودًا مكثفة في الترويج الدولي والنقد الأكاديمي.

كما أن الاعتماد على تقنية واحدة قد يحد من تنوع التجارب داخل التيار، مما يستدعي من الفنانين استكشاف آفاق جديدة ضمن الإطار الخطوطي للحفاظ على ديناميكيته.

ومع ذلك، يظل اختيار الصويرة كمحطة لهذا المعرض قرارًا موفقًا، نظرًا لتاريخ المدينة كملتقى ثقافي وفني. إلا أن نجاح التيار يعتمد على قدرته على جذب جمهور أوسع، خارج دائرة النخب الفنية، من خلال فعاليات تفاعلية تجعل الفن الخطوطي متاحًا ومفهومًا للجميع.

من هو عفيف بناني؟

عفيف بناني، المزداد بالرباط، هو فنان وكاتب وباحث في النظريات البصرية، بدأ مسيرته الفنية في التسعينيات، متأثرًا بالمدارس الانطباعية والتجريدية، قبل أن يؤسس النزعة الخطوطية سنة 2018. أقام معارض داخل المغرب وخارجه، وأصدر مؤلفات ودراسات حول الفن وتاريخه، مدافعًا عن ضرورة أن يحمل الفن المغربي توقيعه الخاص. يرى بناني أن “النزعة الخطوطية هي حجر جديد في تاريخ الفن المغربي، سواء استمر أم لا، فهو موجود، وله روح وهوية.”

معرض النزعة الخطوطية بالصويرة ليس مجرد حدث فني، بل احتفاء بهوية مغربية تسعى للانعتاق من التقليد والتبعية، وتأكيد حضورها في المشهد التشكيلي العالمي. وبين خطوط اللوحات التي ستعرض في برج باب مراكش، تتجلى قصة شعب يبحث عن صوته الفني، بقيادة فنانين يؤمنون بأن الإبداع هو أقوى تعبير عن الانتماء.

الصويرة تحتفي بالنزعة الخطوطية: عندما ترسم الخطوط هوية الفن المغربي المعاصر插图

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى