“الصمت المهيب” يواجه “اختطاف” الصحافة: نداء لإصلاح ديمقراطي ووقف “مشروع السلطة” للتحكم في المهنة

“الصمت المهيب” يواجه “اختطاف” الصحافة: نداء لإصلاح ديمقراطي ووقف “مشروع السلطة” للتحكم في المهنة插图

نقف اليوم نحن الزميلات والزملاء، بنات وأبناء مهنة الصحافة، وأصدقاء وصديقات وممثلو الهيئات المهنية والسياسية والحقوقية والمدنية، بعد هذا الصمت المهيب . لقد شاهدنا وشاهد مئات الآلاف من المهتمين بالشأن العام، داخل المغرب وخارجه، اجتماع ما سُمي بـ “لجنة أخلاقيات” المهنة والقضايا التأديبية التابعة للمجلس الوطني للصحافة، التي انتهت ولايتها سنة 2022، قبل أن ينتدب الوزير المكلف بالشباب والثقافة والتواصل، المهدي بنسعيد، نيابة عن الحكومة، صحافيين وناشرين ويُعَيِنَهم موظفين في ما سُمي بـ “اللجنة المؤقتة” .

إن هذا الخريف هو الذي أسقط آخر التوت ورقة عن مُرَكب المصالح الذي اختطف الصحافة في المغرب، مستعملاً التخويف والتشريعات الماسة بالكرامة والمال. لقد شاهدتم مسلخاً يُنزع فيه جلد الصحافي حميد المهداوي من طرف من يُفترض أنهم بنو جلدته، مستعملين في ذلك كل الأساليب المنحطة لإلحاق أكبر أذى بصحافي أعزل. إن ما شوهد لم يكن مجرد طقس لكسر روح صحافي متمرد له أسلوبه الخاص، بل هو وجه من أوجه السياسة.

“الصمت المهيب” يواجه “اختطاف” الصحافة: نداء لإصلاح ديمقراطي ووقف “مشروع السلطة” للتحكم في المهنة插图1

فصل الصحافة عن وظيفتها الاجتماعية:

لقد اعتُمدت سياسة صامتة وممتدة لسنوات قصد فصل الصحافة عن وظيفتها الاجتماعية بوصفها منتجة للمعرفة العمومية. هذه الوظيفة تتلخص في الكشف عن قرارات حكومية وتشريع ومال عام وسلوك الحكام وقضايا الحقوق والحريات والنهب والفساد والجرائم البيئية، وهي ملفات تمس المواطنين والمواطنات بشكل مباشر. إن الصحافة مصلحة عامة كالتعليم والكهرباء، تنير غرف الظلم والظلام وتكشف الستار عما يُراد له أن يبقى سرياً ومتوارياً.

لقد فُتح الباب واسعاً لهؤلاء بالتنسيق التام مع وزارة المهدي بنسعيد، الذي وُصف بـ “الأبيض الظاهر من جبل الجليد وسط هذا البحر المهني الأسود”. وقد عملوا على احتلال كراسي التمثيل وبسط يدهم الآثمة على النقابات والتنظيمات والصناديق والجوائز المهنية المتصلة بالصحافة والإعلام. هذا المشهد المهني حُوِّل إلى وسيلة لإبعاد المغاربة عن قضاياهم المصيرية عبر كاميرات تطارد شبهات الخيانة الزوجية فوق أسطح الأحياء الشعبية. لقد تحولوا إلى أذرع تواصلية تخدم مراكز النفوذ المالي والسياسي وتقدم الدعاية الفجة في ثوب المقال الصحافي، بينما اغتنوا من الإشهار العام والخاص والميزانية العمومية.

“الصمت المهيب” يواجه “اختطاف” الصحافة: نداء لإصلاح ديمقراطي ووقف “مشروع السلطة” للتحكم في المهنة插图2

قانون “بليل” وخطاب “التشيطين”:

لقد دُبر مشروع القانون رقم 026.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة بليل، وتم التصويت عليه في لجنة برلمانية بليل، وحمله ساعياً إلى غرفة مجلس المستشارين بليل. وقد فُصِل هذا القانون على مقاس أكبر المُشهرين والناشرين والناشرين لأعراض الناس والمستفيدين من الدعم العمومي أمام أقلية من الصحافيين الذين لن يكون لهم من مجلسهم الوطني إلا الاسم المكتوب على يافطة فيلا مكتراة في حي الرياض.

وصف الوزير بنسعيد أمس في مجلس المستشارين الصحافيات والصحافيين المعترضين على هذا السقوط المهني بـ “العدميين”. هذا التصريح يفضح اصطفافه إلى جانب اللجنة التي عينها ويفضح مشروع السلطة لهندسة المجلس الوطني من فوق، بما يجعل الصحافة قطاعاً يسهل التحكم في مساراته. لقد اختار الوزير خطاب “التشيطين” عندما تمسك بشيطنة النقد وتهجم على هذه الدينامية التي تُعبر عن عافية الجسد الصحافي رغم شدة المرض. إن تطرف الوزير في الدفاع عن الجريمة المرتكبة في حق الصحافة مرده إلى أن المشروع الحالي للمجلس هو مشروع السلطة وليس مشروع صحافيين وصحافيات.

لقد أحس الوزير ومن خلفه الحكومة بعافية الجسد الإعلامي وبزوغ تيار صحافي مغربي نقدي ومستقل. فاختار الاصطفاف: مع المؤسسة ضد المجتمع، ومع الشكل ضد المضمون، ومع التعيين ضد الانتخاب، ومع التحكم ضد الاستقلالية، ومع الاحتواء ضد النقد.

“الصمت المهيب” يواجه “اختطاف” الصحافة: نداء لإصلاح ديمقراطي ووقف “مشروع السلطة” للتحكم في المهنة插图3

مطالبنا لإنهاء الوضع الشاذ:

بناء على ما سبق، فإننا نطالب بما يلي:

  1. إنهاء الوضع الشاذ للمجلس الوطني للصحافة عبر حلّه فوراً ووقف كل محاولات إحياء ولاية منتهية أو تنصيب هيئات بلا شرعية مهنية.
  2. السحب العاجل لمشروع القانون 026.25 لما يحمله من محاولة لإعادة هندسة المشهد الصحافي بما يخدم لوبيات الإشهار ومراكز النفوذ، ويهمش الصحافيين ويُقصيهم من تمثيل أنفسهم.
  3. إطلاق مسار وطني ديمقراطي لإصلاح قطاع الصحافة يقوم على التشاور المباشر مع الصحافيين والصحافيات، وليس مع مُنتَدبين أو مُعَيَّنين بقرارات إدارية أو حسابات سياسية.
  4. وضع حدّ لتدخل الجهاز التنفيذي في تنظيم المهنة ووقف سياسة التعيين المباشر داخل مؤسسات يُفترض أن تكون مستقلة عن السلطة التنفيذية.
  5. فتح تحقيق مستقل في ما جرى داخل “لجنة الأخلاقيات”، وكشف المسؤوليات في الانتهاكات التي مورست في حق الصحافيين.
  6. إعادة بناء منظومة الدعم العمومي على أسس الشفافية وتكافؤ الفرص، بما يضمن وصول المال العام إلى الإعلام الذي يمارس خدمة عمومية لا دعاية سياسية أو تجارية.
  7. ضمان تمثيل مهني حرّ ومستقل للصحافيات والصحافيين داخل أية هيئة تنظّم القطاع عبر انتخابات ديمقراطية.
  8. مواجهة حملات التشهير الممنهجة التي تُستخدم لإسكات الأصوات المستقلة وتجريم استغلال المنابر الإعلامية في الاغتيال الرمزي والتحريض لفائدة مجموعات المصالح.
“الصمت المهيب” يواجه “اختطاف” الصحافة: نداء لإصلاح ديمقراطي ووقف “مشروع السلطة” للتحكم في المهنة插图4

إننا نؤمن بمغرب يستحق مؤسسات شرعية، مهنية، مستقلة، لا مؤسسات مُعَيَّنة تحاسب الصحافة بينما تعجز عن محاسبة الفاسدين الذين كانوا موضوعاً لها. نؤكد على أن إصلاح الصحافة هو جزء من إصلاح أوسع للدولة والمجتمع. نشد على أياديكم جميعاً وندعوكم إلى الانخراط معنا في هذا المشروع الجماعي لإعادة الصحافة إلى دورها الطبيعي بوصفها خادمة للمصلحة العامة لا خصماً لها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!