الشبيبة والهموم السياسية: رؤية مستقبلية للعدالة والتنمية في زمن التحديات

عبد العالي الجابري – وجدة، 2 مايو 2025  

بدعوة من السيد الكاتب الإقليمي للحزب بوجدة، الاستاذ مصطفى خثيري، تابعت مساء أمس الجمعة، عبر منصة زوم، اللقاء الذي نظمته نظمت شبيبة حزب العدالة والتنمية مع الأمين العام للحزب، عبد الإله بنكيران، تحت شعار “الشبيبة والهموم السياسية: رؤية مستقبلية“.

و في هذا المقال التقريري، سأستعرض أبرز النقاط التي طرحها اللقاء، مع تحليل نقاط القوة والضعف، مدعومة بمعطيات إضافية من السياق الوطني والإقليمي.

الشبيبة والهموم السياسية: رؤية مستقبلية للعدالة والتنمية في زمن التحديات插图

مقدمة

في سياق وطني وعالمي مشحون بالتحديات الاقتصادية، السياسية، والإقليمية، نظمت شبيبة حزب العدالة والتنمية لقاءً بارزاً مع الأمين العام للحزب، عبد الإله بنكيران، تحت شعار “الشبيبة والهموم السياسية: رؤية مستقبلية”.

شهد اللقاء مشاركة واسعة من شباب الحزب، حيث تدخل ما لا يقل عن خمسة عشر متدخلاً، بينهم الكاتب الوطني، منسقة الجلسة، الأمين العام، واثنا عشر شاباً، منهم خمسة عُرفوا بأسمائهم: أنس بن علوش (طنجة)، محمد الساعي (الحسيمة)، طارق الوردي، حمزة التلمساني، حمزة بن سعد، وزهير سمارة، إلى جانب ممثل عن إقليم الداخلة-وادي الذهب وآخرين من مناطق مختلفة.

رغم عدم توفرنا على بيانات دقيقة عن مدة تدخل كل شخص، كانت مداخلة بنكيران الأطول، في حين تراوحت مداخلات الكاتب الوطني، المنسق، والشباب بين القصيرة والمتوسطة، مع تدخلات متكررة ولكن موجزة لمسيرة النقاش أو رئيسة اللقاء.

تمحور اللقاء حول دور الشباب في مواجهة الفساد وسوء التدبير، مع تأكيد بنكيران على المشاركة السياسية الواعية كـ”فعل مقاومة” لاستعادة الثقة في المؤسسات وإصلاح المجتمع.

سياق اللقاء: أزمات داخلية وخارجية

افتتح الكاتب الوطني اللقاء بتسليط الضوء على السياق الوطني والدولي الصعب. على المستوى الوطني، يعاني المغرب من تداعيات سوء التدبير الحكومي، الذي أدى إلى انهيار غير مسبوق في ثقة المواطنين بالمؤسسات، بما فيها المنتخبة.

وفقاً لبنكيران، الحكومة الحالية غارقة في تضارب المصالح واستغلال النفوذ، مع فضائح مثل امتحان المحاماة، وفشل في تحقيق وعودها بتوفير مليون منصب شغل، بل خسارة عشرات الآلاف من الوظائف، حيث بلغ معدل البطالة 13.3%، وهو مستوى لم يُسجل منذ التسعينيات.

كما أشار إلى ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية، مما زاد من معاناة الشباب، خاصة مع قرارات مثل تقييد سن التوظيف عند 30 عاماً رغم النقص في الأطر.

على الصعيد الدولي، شكلت القضية الفلسطينية محوراً رئيسياً، حيث وصف بنكيران الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة والقدس بـ”النازية والإرهابية“، مندداً بـتواطؤ الغرب بقيادة الولايات المتحدة، وصمت العالم العربي الذي اعتبره “مداناً”.

في هذا الإطار، أطلقت الشبيبة حملة وطنية تحت شعار “المشاركة السياسية الواعية فعل مقاومة“، مستلهمة من “طوفان الأقصى“، الذي رأى فيه الحزب استعادة لكرامة الأمة العربية والإسلامية.

هذه الحملة، التي قدمها الكاتب الوطني عبر ثلاثة مقاطع رئيسية، تهدف إلى نشر الوعي، استعادة مصداقية العمل السياسي، ومقاومة محاولات “تسويق المؤسسات” أو فرض “مشهد سياسي مزيف” يخدم تحالف “المال والسلطة“.

رؤية بنكيران: المشاركة الواعية كمفتاح للإصلاح

في مداخلته الطويلة، التي شكلت العمود الفقري للقاء رغم توقف مؤقت، أكد بنكيران أن المشاركة السياسية لا تقتصر على التصويت، بل تشمل المتابعة، النقاش، والاحتجاج اليومي ضد المشاكل المجتمعية الناتجة عن سوء التدبير.

واعتبر أن الشباب هم “عناصر الإصلاح” المطالبون بحمل هموم الأمة، لكنه شدد على ضرورة التكوين الذاتي كأساس لهذا الدور.

في رؤيته، يجب أن ينطلق هذا التكوين من المرجعية الإسلامية، التي يراها مصدراً للأخلاق، الديمقراطية (الشورى)، الحرية، والسلام، متفوقة على الحضارات الغربية التي وصفها بأنها وصلت إلى “كوارث أخلاقية” مثل تفكك الأسرة.

كما حث بنكيران الشباب على دراسة القرآن، السنة، السيرة، والفقه لتكوين رصيد أخلاقي يمكنهم من مقاومة الفساد وتحقيق الاستقامة. واستشهد بتجربته الشخصية في رفض الربا، معتبراً ذلك “هدية من السماء“.

الى ذلك دعا إلى الجدية في الدراسة والعمل، وحث الشباب على أن يكونوا “علامات استقامة” في مجالاتهم، سواء كانوا أطباء أو بائعي حليب، لأن الخدمة الصادقة هي التي تكسب ثقة الناس وتترجم إلى دعم انتخابي.

كما أشار إلى أن الخدمة، حتى في مهام بسيطة مثل حمل الكراسي، هي “شرف” يعكس التزامهم.

هموم الشباب: تنوع المداخلات وطموحات الجيل الجديد

شارك في اللقاء العديد من الشباب، الذين عبّروا عن مخاوفهم وتطلعاتهم عبر مداخلات متنوعة وموجزة وفيما يلي أبرز المداخلات:

  • أنس بن علوش (طنجة): ركز على الفجوة الجيلية داخل الحزب، مشيراً إلى ضرورة إشراك الشباب في مناصب القرار بدلاً من حصرهم في أدوار تنفيذية.
  • محمد الساعي (الحسيمة): تحدث عن تأثير حراك الريف على شباب المنطقة، موضحاً صعوبة استقطابهم بسبب شعورهم بالخذلان من الأحزاب. كما أشار إلى نقص فرص العمل والهجرة غير النظامية كظاهرة مهينة.
  • طارق الوردي: طرح تساؤلات حول الثقة المتبادلة بين الشباب والقيادات، والتحولات في القيم المجتمعية التي تؤثر على التزام الشباب.
  • حمزة التلمساني: أكد على أهمية استعادة الكرامة للشباب، مشيداً بعودة بنكيران كعامل محفز لهم.
  • حمزة بن سعد: ناقش تحديات قبول الآراء المختلفة بين الأجيال، وسأل عن استراتيجية الحزب لإنتاج جيل سياسي جديد.
  • زهير سمارة: طرح أسئلة دقيقة حول خطاب الحزب الانتخابي، الحد العمري للتوظيف، فرص التعليم، التطبيع مع إسرائيل، الحكم الذاتي في الصحراء، وإطلاق سراح معتقلي الريف.
  • ممثل الداخلة-وادي الذهب: أشار إلى ضعف اهتمام الشباب بالسياسة، واقترح آليات لتحفيزهم.
  • شباب آخرون: تناولوا قضايا مثل الهشاشة الأخلاقية، نقص الحريات، التعتيم الإعلامي، وطالبوا ببرامج تكوين وتأطير أفضل. كما تحدث أحدهم عن تجربة إيمانية مرتبطة بطبيب، وآخر عن تاريخ المقاومة المغربية ضد الاستعمار.
الشبيبة والهموم السياسية: رؤية مستقبلية للعدالة والتنمية في زمن التحديات插图1

هذه المداخلات أظهرت وعياً سياسياً متقدماً، لكنها كشفت أيضاً عن إحباط الشباب من التهميش الداخلي والظروف الاقتصادية، مع طموح واضح لتحمل مسؤوليات أكبر، ومن خلالها تتجلى النقاط التالية:

  • الأزمة الاقتصادية: أشار الشباب إلى نقص فرص العمل، مما يدفع البعض إلى الهجرة غير النظامية، وهي ظاهرة وصفوها بـ”المهينة”. كما انتقدوا ارتفاع الأسعار وضعف الرواتب، مما يجعل الحياة اليومية صعبة.
  • غياب الحريات: تحدثوا عن قمع حرية التعبير والتعتيم الإعلامي، معتبرين أن الحقيقة تُشوه في وسائل الإعلام، مما يزيد من إحباطهم.
  • الفجوة بين الأجيال: أعرب الشباب عن شعورهم بأن الأجيال القديمة في الحزب لا تمنحهم مساحة كافية لتحمل المسؤوليات، وأنهم غالباً ما يُكلفون بمهام لوجستية بدلاً من إشراكهم في صنع القرار. كما طالبوا ببرامج تكوين أكثر فعالية.
  • فقدان الثقة: أشاروا إلى تجربة حراك الريف كمثال على خيبة أمل الشباب تجاه الأحزاب السياسية، التي يرون أنها تخلت عنهم، مما يجعل إقناع شباب المناطق المتضررة، مثل الحسيمة، بالانضمام للحزب أمراً صعباً.
  • القضايا الوطنية والدولية: طرح الشباب أسئلة حول موقف الحزب من قضايا مثل التطبيع مع إسرائيل، الحد العمري للتوظيف، فرص التعليم، ومستقبل قضية الصحراء. كما اقترحوا أن يعتذر الحزب عن معاناة بعض الأشخاص في مخيمات تندوف، وهي فكرة أثارت حساسية كبيرة.

تحليلنا الخطاب السياسي الذي عرفه اللقاء: نقاط القوة والضعف

نقاط القوة:

  • التأطير الأخلاقي: يعتمد بنكيران على المرجعية الإسلامية كإطار أخلاقي يمكن أن يجذب الشباب المتدين، خاصة في سياق شعور بالهشاشة الأخلاقية. هذا الخطاب يعزز فكرة أن الإصلاح يبدأ من الفرد، مما قد يلهم الشباب لتحمل مسؤولياتهم.
  • الربط بالقضية الفلسطينية: ربط الحملة بقضية فلسطين، كما قدمها الكاتب الوطني، يمنحها بعداً عاطفياً وقومياً، مما يعزز جاذبية الخطاب لدى الشباب الذين يرون في هذه القضية رمزاً للظلم العالمي.
  • الاعتراف بالتحديات: إقرار بنكيران بأن الحزب لم يجد بعد “الصيغة المثلى” لتكوين الشباب يعكس شفافية نسبية، كما أن دعوته للشباب لتكوين أنفسهم تعكس إيماناً بقدراتهم.
  • الدعوة للجدية والخدمة: التأكيد على الجدية والخدمة، حتى في المهام البسيطة، يعزز ثقافة العمل الجماعي والتواضع، وهي قيم قد تجذب الشباب الباحثين عن معنى في العمل السياسي.

نقاط الضعف والانتقادات المحتملة:

  • الاعتماد المفرط على المرجعية الإسلامية: بينما يمكن أن يجذب هذا الخطاب قاعدة الحزب التقليدية، إلا أنه قد يُنفر شرائح شبابية أكثر علمانية أو منفتحة على رؤى متنوعة. التركيز الحصري على المرجعية الإسلامية قد يُضعف قدرة الحزب على استقطاب أطياف أوسع من الشباب المغربي.
  • غياب حلول عملية للأزمة الاقتصادية: رغم الإشارة إلى مشاكل مثل البطالة وارتفاع الأسعار، لم يقدم بنكيران رؤية اقتصادية واضحة لمعالجتها. الاكتفاء بالنقد العام للحكومة دون تقديم بدائل ملموسة قد يُضعف مصداقية الحزب لدى الشباب الذين يبحثون عن حلول فورية.
  • الفجوة الجيلية داخل الحزب: شكوى الشباب من تهميشهم في صنع القرار، كما عبر عنه أنس بن علوش وآخرون، تكشف عن تحدٍ داخلي كبير. رد بنكيران، الذي ركز على أهمية الكفاءة بدلاً من العمر أو الجنس، قد يُنظر إليه كمحاولة للتهرب من معالجة هذا الإشكال بشكل مباشر. عدم وجود خطة واضحة لـ”التشبيب” و”التأنيث” قد يُحبط الشباب الطامحين إلى أدوار قيادية.
  • الموقف من قضية الصحراء: دعوة بنكيران لعودة سكان تندوف في إطار الحكم الذاتي تتماشى مع الموقف الرسمي المغربي، لكن اقتراح الشباب “الاعتذار” عن معاناة بعض الأشخاص في المخيمات لم يجد استجابة واضحة، مما قد يُنظر إليه كتجاهل لمطالب حساسة تعكس رغبة الشباب في مصالحة تاريخية.
  • الخطاب الأبوي: استخدام بنكيران لتعابير مثل “وليداتي” ونهجه الأبوي قد يُنظر إليه كمحاولة لتأطير الشباب ضمن دور تابع بدلاً من شركاء متساوين، مما قد يُعيق بناء ثقة متبادلة.
  • غياب استراتيجية واضحة لاستعادة الثقة: رغم التأكيد على مقاومة “تحالف المال والسلطة”، لم يقدم الحزب خطة واضحة لاستعادة ثقة المواطنين، خاصة في ظل إرثه الحكومي السابق الذي لم يحل كل المشاكل، كما اعترف بنكيران نفسه.

رؤية مستقبلية: التحديات والفرص

يقدم اللقاء رؤية طموحة ترى في الشباب قوة إصلاحية، لكن تحقيق هذه الرؤية يتطلب معالجة عدة تحديات:

  • إعادة صياغة الخطاب: يحتاج الحزب إلى خطاب يتجاوز المرجعية الإسلامية ليشمل رؤى اقتصادية واجتماعية تجذب شرائح شبابية متنوعة. التركيز على قضايا ملموسة مثل إصلاح التعليم، خلق فرص عمل، وتخفيف العبء الضريبي قد يكون أكثر فعالية في استعادة الثقة.
  • تمكين الشباب داخلياً: لابد من إنشاء آليات واضحة لتكوين الشباب وإشراكهم في القيادة، مثل برامج تدريب سياسي ومنح مسؤوليات حقيقية، لتجنب شعورهم بالتهميش، كما أعرب عنه أنس بن علوش وطارق الوردي.
  • التواصل والشفافية: يجب على الحزب تحسين تواصله مع الجمهور، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لمواجهة “التعتيم الإعلامي” الذي يشتكي منه الشباب، كما ذكر محمد الساعي، والرد على الشائعات بشفافية.
  • الموقف من القضايا الحساسة: يحتاج الحزب إلى توضيح مواقفه من قضايا مثل التطبيع والصحراء، مع إيلاء اهتمام أكبر لمطالب الشباب بمصالحة تاريخية، كما في اقتراح زهير سمارة بالاعتذار عن معاناة بعض الأشخاص في تندوف.
  • استغلال الدينامية الإقليمية: في سياق التوترات مع الجزائر، يمكن للحزب تعزيز خطابه الوطني بالتركيز على وحدة التراب الوطني ودعم مبادرة الحكم الذاتي، مع فتح قنوات حوار مع الشباب الصحراوي، كما اقترح ممثل الداخلة-وادي الذهب.

خاتمة: الشباب بين الأمل والمسؤولية

لقاء شبيبة العدالة والتنمية مع عبد الإله بنكيران كشف عن طاقة هائلة لدى الشباب، لكنه أبرز أيضاً الفجوات التي يجب سدها لتحويل هذه الطاقة إلى قوة إصلاحية. دعوة بنكيران للتكوين الذاتي والمشاركة الواعية تقدم إطاراً أخلاقياً قوياً، لكن نجاحها يعتمد على قدرة الحزب على تقديم حلول عملية وإشراك الشباب كشركاء حقيقيين.

في زمن تتزايد فيه التحديات الاقتصادية والسياسية، يبقى السؤال: هل سيتمكن حزب العدالة والتنمية من تجديد خطابه وتمكين شبابه لقيادة التغيير، أم أن الفجوة بين الطموحات والواقع ستظل قائمة؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى