الزحف السريع للذكاء الاصطناعي يستدعي تغييرات جذرية لتعزيز الأداء القضائي: رؤية السيد عبد النباوي

الدار البيضاء، 21 أبريل 2025
أكد السيد محمد عبد النباوي، الرئيس الأول لمحكمة النقض والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، خلال افتتاح أشغال اجتماع المجموعة الإفريقية التابعة للاتحاد الدولي للقضاة بالدار البيضاء، أن التقدم المتسارع للذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي يفرض ضرورة إحداث تغييرات شاملة لتطوير وتجويد الأداء القضائي. ويُنظم هذا الحدث من طرف الودادية الحسنية للقضاة، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، تحت شعار “من أجل قضاء إفريقي مستقل”، ويستمر حتى 24 أبريل 2025.
تأثير الذكاء الاصطناعي على منظومة العدالة
في كلمته الافتتاحية، أشار السيد عبد النباوي إلى أن الثورة الرقمية، بما فيها تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي، تُحدث تغييرات عميقة في الأنماط الاجتماعية والاقتصادية، مما ينعكس على توقعات المتقاضين والفاعلين في القطاع القضائي. وأوضح أن هذه التحولات ستطرح تحديات معقدة على أنظمة العدالة عالميًا، حيث ستُطالب بمواكبة التطورات التكنولوجية وابتكار حلول للإشكاليات الناشئة، مثل حماية البيانات، الأمن السيبراني، والمنازعات المرتبطة بالتكنولوجيا.
وأضاف أن الذكاء الاصطناعي قد يُحدث تغييرات هيكلية في طرق حل المنازعات، حيث يمكن أن يصبح أداة أساسية في تحليل القضايا واتخاذ القرارات. لكنه حذر من أن هذا التحول قد يُعيد صياغة مفهوم استقلال القاضي، حيث ستصبح البرمجيات الرقمية ومطوروها عنصرًا محوريًا في العملية القضائية، مما يستدعي وضع أطر قانونية وأخلاقية تضمن حيادية هذه الأنظمة.
استقلال القضاء ودوره في تحقيق العدالة
اعتبر السيد عبد النباوي أن شعار الاجتماع يعكس جوهر رسالة القضاء في تحقيق العدل والإنصاف، وهي القيم التي يكرسها الدستور المغربي من خلال ضمان استقلال السلطة القضائية وحماية القضاة. ودعا إلى الاستفادة من التجارب الإفريقية والدولية لتطوير معايير ومؤشرات موحدة تعزز نجاعة الأنظمة القضائية، مع احترام خصوصيات كل دولة. كما اقترح إنشاء لجنة إفريقية لفعالية العدالة، على غرار نظيرتها الأوروبية، لإعداد دراسات حول الأنظمة القضائية ووضع مؤشرات لقياس الأداء، مما يساهم في تعزيز الشفافية والاستقلالية.
دور المغرب في تعزيز التعاون القضائي الإفريقي
من جهته، أكد السيد الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورئيس النيابة العامة، أن هذا المؤتمر يُجسد التزام المغرب بتعزيز التعاون القضائي جنوب-جنوب. وأبرز أن الحدث يوفر منصة لتبادل التجارب وتطوير أساليب العمل القضائي، مما يسهم في تيسير وصول المتقاضين إلى العدالة. وأشار إلى أن المغرب يعيش دينامية إصلاحية في منظومة العدالة، تتجلى في تعزيز استقلال القضاء وتطوير البنية التحتية القضائية.
وأضاف أن رئاسة النيابة العامة تعتمد دبلوماسية قضائية مستدامة، من خلال إبرام مذكرات تفاهم مع أجهزة النيابة العامة في عدة دول إفريقية، مما عزز التعاون في مكافحة الجريمة العابرة للحدود وتبادل الخبرات القانونية.
أهمية اللقاء ومشاركة واسعة
أكد السيد محمد رضوان، رئيس الودادية الحسنية للقضاة، أن هذا الاجتماع يشكل فرصة لتوحيد الرؤى وتعزيز دور القضاء كمحرك للتنمية المستدامة في إفريقيا. وأشار إلى أن القارة تواجه تحديات كبرى تتطلب مواكبة الأنظمة القضائية لتطلعات التنمية المشتركة، خاصة في ظل قضايا مثل الهجرة، الجريمة المنظمة، والتحديات البيئية.
وشدد على أن المبادرة الملكية للمحيط الأطلسي، التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، تمثل فرصة لخلق تكتل أطلسي يعزز مفاهيم العدالة وحقوق الإنسان، مما يدعم التكامل الاقتصادي والإشعاع الدولي للقارة.
حضور مميز وأهداف استراتيجية
شهد حفل الافتتاح حضور شخصيات قضائية بارزة من حوالي 20 دولة إفريقية، إلى جانب مسؤولين مغاربة، من بينهم السيد هشام صابري، كاتب الدولة المكلف بالشغل، والسيد محمد امهيدية، والي جهة الدار البيضاء-سطات. ويُعد المؤتمر محطة رئيسية لتعزيز الحوار القضائي الإفريقي، حيث يركز على:
- تبادل الممارسات الفضلى في إدارة الأنظمة القضائية.
- تعزيز التكوين القضائي المشترك.
- مواجهة التحديات العابرة للحدود، مثل الجريمة السيبرانية والقضايا البيئية.
- تطوير فضاء قانوني إفريقي متكامل.
معطيات إضافية وتأثير الحدث
- سياق عالمي: يأتي هذا المؤتمر في ظل تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاع القضائي عالميًا، حيث تُستخدم أنظمة مثل تحليل البيانات القضائية وأتمتة الإجراءات في دول مثل الولايات المتحدة وسنغافورة. ويُطرح السؤال حول كيفية استفادة إفريقيا من هذه التكنولوجيا مع الحفاظ على استقلال القضاء.
- إصلاحات مغربية: شهد المغرب تقدمًا ملحوظًا في رقمنة القضاء، مثل إطلاق منصات إلكترونية لتتبع القضايا وتسهيل الإجراءات. ويُعد المغرب نموذجًا إقليميًا في إصلاح المنظومة القضائية.
- تأثير اقتصادي واجتماعي: يساهم تعزيز الأداء القضائي في تحسين مناخ الأعمال، جذب الاستثمارات، وحماية حقوق المواطنين، مما يدعم التنمية المستدامة.
يُمثل اجتماع المجموعة الإفريقية بالدار البيضاء خطوة استراتيجية لتعزيز التعاون القضائي الإفريقي في مواجهة تحديات التحول الرقمي. ومن خلال رؤية السيد عبد النباوي، يبرز الاجتماع أهمية مواكبة الثورة التكنولوجية مع الحفاظ على استقلال القضاء كضمانة للعدالة. ويعكس احتضان المغرب لهذا الحدث التزامه بقيادة الجهود الإفريقية نحو بناء أنظمة قضائية ناجعة ومستقلة، تدعم التنمية والاستقرار في القارة.