الرئيس الإسرائيلي في مرمى التناقضات: خطاب يواجه واقعاً مريراً وتحديات دولية

في حوار حاد أجرته “Chatham House” مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج، تكشفت سلسلة من التناقضات الواضحة في تصريحاته، عاكسةً بذلك الشرخ العميق بين الرواية الإسرائيلية الرسمية والواقع الذي يراه المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية. هذه التناقضات، التي تراوحت بين نفي الحقائق الموثقة وتبرير الإجراءات المثيرة للجدل، تضع ثقلاً إضافياً على مكانة إسرائيل الدولية المتدهورة.

مجاعة في غزة أم “وهم” حماس؟

نفى الرئيس هرتسوج بشدة وجود مجاعة حالياً في غزة، مؤكداً أن هناك “تغيراً شاملاً وكبيراً” في إمدادات المساعدات الإنسانية خلال الأسابيع الأخيرة، مع دخول “كميات هائلة من المنتجات والشاحنات” وانخفاض أسعار الغذاء بشكل حاد . لكن هذا التصريح يتناقض بشكل صارخ مع ما أعلنته المنظمة الأممية “IPC” التي أكدت وقوع مجاعة ووفيات ناجمة عن الجوع في غزة . وقد وصف ديفيد لامي، وزير الخارجية البريطاني السابق، “رفض الحكومة الإسرائيلية السماح بدخول ما يكفي من المساعدات” بأنه “كارثة من صنع الإنسان” و”غضب أخلاقي”. الأكثر من ذلك، شكك السفير الأمريكي السابق في القدس، جاك لو، في الادعاءات الإسرائيلية بأن حماس تحول المساعدات بشكل منهجي، مؤكداً أنه “لم ير أي دليل موثوق به” على ذلك. بينما يلوم هرتسوج حماس على الاستيلاء على المساعدات وبيعها بأسعار مضاعفة، فإن التنديد الدولي يرى إسرائيل مسؤولة عن الوضع الإنساني الكارثي.

حماية المدنيين والقانون الدولي: قصف المناطق السكنية والتناسب المشكوك فيه

زعم هرتسوج أن إسرائيل تلتزم بالقانون الدولي وقواعد الحرب، وتستهدف فقط الأماكن التي يطلق منها المسلحون الصواريخ. وأقر بأن “كل وفاة تؤلمهم”، لكنه برر أعداد الضحايا المدنيين الكبيرة بأن حماس منظمة “جهادية” تقاتل من مناطق مدنية محصنة بالمتفجرات. ومع ذلك، أشار المحاور إلى أن القانون الدولي “لا يمنح الحق في التسبب في معاناة غير محدودة”، وأن هناك اتهامات بأن إسرائيل “تخرق بوضوح قوانين الحرب” بعدم التمييز بين المدنيين والمقاتلين، واستخدام “قوة مفرطة”. وقد أدت الإجراءات الإسرائيلية إلى مقتل حوالي 60 ألف فلسطيني في غزة، كثير منهم من الأطفال. ويواجه الرئيس هرتسوج نفسه اتهامات “بجرائم حرب” و”تطهير عرقي” و”إبادة جماعية”، وهي اتهامات يرفضها “تماماً وبشكل قاطع”.

سلام أم إقصاء؟ رؤية متناقضة لمستقبل فلسطين

بينما أعرب هرتسوج عن إيمانه بـ “إمكانية التوصل إلى سلام ودي مع الفلسطينيين” ، إلا أنه عارض بشدة نية دول حليفة مثل المملكة المتحدة الاعتراف أحادياً بدولة فلسطينية، معتبراً أن ذلك سيكون “خطراً وسلبياً” على أي عملية سلام مستقبلية ولن يساعد الفلسطينيين أو الرهائن. وهذا الموقف يثير تساؤلات حول مدى جدية الرؤية الإسرائيلية للسلام التي يطرحها، خاصةً وأن العديد من حلفاء إسرائيل يرون في حل الدولتين المسار الوحيد لإنهاء الصراع.

مفاوضات الرهائن: جهود إسرائيلية أم عرقلة من الداخل؟

ادعى هرتسوج أن إسرائيل قبلت “كل مقترح تقريباً” من الوسطاء خلال العام الماضي، لكن حماس كانت ترفض أو تماطل بوضع “حبة سم” في المقترحات . ومع ذلك، أشار المحاور إلى أن أعضاء في الحكومة الإسرائيلية نفسها، مثل الوزير بن غفير، تفاخروا “بمنع العديد من الصفقات”. بالإضافة إلى ذلك، جاءت الضربة الإسرائيلية على قطر التي استهدفت قادة حماس، في وقت كانت فيه قطر تتوسط في مفاوضات وقف إطلاق النار . هذا التوقيت يثير الشكوك حول مدى رغبة إسرائيل الفعلية في التوصل إلى وقف إطلاق النار إذا كانت تستهدف قادة حماس المتورطين في المفاوضات.

صورة إسرائيل الدولية: “منارة للديمقراطية” أم “دولة منبوذة”؟

يؤكد الرئيس هرتسوج أن إسرائيل “منارة للديمقراطية” و”تقاتل للدفاع عن العالم الحر والقيم الغربية”، ويرفض فكرة أنها “تتحول إلى دولة منبوذة”. لكن هذه الرؤية الذاتية تتناقض مع الإدانة الدولية الواسعة والاحتجاجات العامة الضخمة التي تواجهها إسرائيل. حلفاء مثل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا يعلنون عن عقوبات ضد وزراء إسرائيليين ومستوطنين عنيفين، ويسحبون تراخيص الأسلحة، ويعتزمون الاعتراف بالدولة الفلسطينية . حتى أن وزير الصحة البريطاني وصف الأفعال الإسرائيلية بـ “جرائم حرب” و”تطهير عرقي” و”إبادة جماعية”. هذا التدهور في العلاقات مع الحلفاء، وتحول اليهود الشباب في الدول الغربية ضد إسرائيل، يرسم صورة مختلفة تماماً عن “منارة الديمقراطية” التي يطمح هرتسوج لتقديمها.

المستوطنات وتصريحات الوزراء المتطرفين: سياسة رسمية أم “حرية تعبير”؟

عندما سُئل عن دعوات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش “لتدمير غزة بالكامل” وتهجير سكانها، أكد هرتسوج أن هذه التصريحات “لا تعكس بأي شكل من الأشكال السياسة الإسرائيلية”. لكن المحاور أشار إلى أن سموتريتش هو وزير في الحكومة، وأن “العالم يدرك جيداً النظام السياسي الإسرائيلي”. وذكّر المحاور هرتسوج بتصريحاته السابقة بأن المستوطنات “حجر زاوية في الصهيونية” و”مشروع مزدهر ورائع” في الضفة الغربية ، مما يضع تصريحاته حول عدم مسؤولية الحكومة عن سياسات توسيع المستوطنات في سياق متناقض.

في الختام، يظهر خطاب الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوج، محاولة متكررة لإعادة صياغة الرواية وسط تحديات متزايدة. لكن التناقضات بين تصريحاته والإدانات الدولية، بالإضافة إلى الحقائق على الأرض، تعمق الشكوك حول مسار إسرائيل وتزيد من عزلتها في الساحة العالمية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!