الدكتور عبد الله ساعف يُحلل التحولات السياسية ويُقدم “خمسة توجهات” لمستقبل الفاعل الحزبي

شارك الدكتور عبد الله ساعف، الوزير السابق للتربية والتعليم ومدير مركز الدراسات والابحاث في العلوم الاجتماعية، في ندوة نظمتها شبيبة العدالة والتنمية بعنوان “حزب العدالة والتنمية وسؤال المستقبل”. وقد ركزت مداخلة الدكتور ساعف على تحليل السياق التاريخي والخصائص البنيوية للمرحلة الحالية، مقدماً رؤية استشرافية للتوجهات الضرورية التي يجب على الفاعلين السياسيين استحضارها للمستقبل.

حور الأول: التحقيب التاريخي والسياق السياسي العام

في مستهل مداخلته، حرص الدكتور ساعف على بناء إطار تحليلي متين، مُشدداً على أن التفكير في المستقبل مرهون باستيعاب الحاضر. وقد ارتأى تقديم تحقيب دقيق للحياة السياسية المغربية، مبيناً التموجات البنيوية بين السياسة والتكنوقراطية والأعمال (البزنس)، لتحديد طبيعة “المستوى البنيوي” للمرحلة الراهنة.

حيث ركز ساعف على تتبع التحولات في الأدوار القيادية للحياة السياسية:

1. ما قبل حكومة التناوب (ما قبل 1998): كانت السمة الأساسية هي المشاركة المحورية والبنيوية للتكنوقراط. وكانت السياسة في مرتبة “غير واضحة” أو “غير مركزية”.

2. مرحلة حكومة التناوب (1998 – 2002): شهدت هذه الفترة “مستوى عالي ديال السياسة” (مستوى عالٍ من السياسة).

3. مرحلة العودة إلى التكنوقراطية (2002 – 2007 – حكومة جطو): رجعت التكنوقراطية للظهور، حيث كان هناك حوالي 10 إلى 12 من التقنوقراط يسيطرون على أهم المجالات. وكانت الأعمال (البزنس) حاضرة في “درجات دنيا”.

4. مرحلة ما قبل الربيع العربي (2007 – 2011 – حكومة عباس الفاسي): كانت خليطاً من التكنوقراطية، و**”جرعة أقوى ديال السياسة”** مقارنة بالسابق. كما برز عنصر الأعمال (العقار، التجارة، الاتفاقيات الدولية). وشهدت هذه المرحلة مكوناً ذات طابع اجتماعي (صندوق المقاصة)، حيث تضاعفت ميزانيته رغم الدعوات لخفضها، وهو ما اعتبره ساعف قد يعود إلى “النهج التعادلي” لحزب الاستقلال.

5. مرحلة ما بعد 2011: جاءت حكومة عبد الإله بنكيران، التي “رجعت السياسة بقوة من جديد”، واستمرت هذه الوتيرة في حدود معينة مع حكومة العثماني.

6. اللحظة الحالية: تتميز بـ**”حد أدنى ديال السياسة”** وغلبت عليها “البزنس” أو “الهمزات الاقتصادية” (تبزنيس). وشدد ساعف على أن هذا الجو غلب في السنوات الأربع الأخيرة ولا يتوقع أن تتغير الأمور في السنة الباقية.

المحور الثاني: خصائص المرحلة الراهنة

انطلاقاً من السياق التاريخي الذي حدده، انتقل الدكتور ساعف لتحليل الخصائص البنيوية المُلحة التي تطبع اللحظة الراهنة. وركز على العوامل التي أدت إلى “تقهقر موقع السياسة” أمام مشاريع ضخمة وتشتت في المشهد النخبوي، والتي يجب على أي فاعل سياسي استحضارها.

هنا قدم ساعف الخصائص التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند التفكير في المستقبل:

1. هيمنة المشاريع الكبرى (الميجا بروجي): وتشمل الطاقة المتجددة، الطرق السيارة، مشاريع الماء، وتهيئة الموانئ.

    ◦ الأثر: هذه المشاريع تجعل البرامج الانتخابية للأحزاب تبدو “صغيرة” ويصعب عليها المنافسة. كما أنها تعطي “حجماً كبيراً” و”صورة قوية” للفاعل الدولتي.

2. تقهقر موقع السياسة (الديكلاسمون): أكد ساعف أن موقع السياسة “رجع لور”، بحيث أصبح كل ما هو سياسي في المرتبة “الثالث ولا الرابع”.

    ◦ النتيجة: أدى ذلك إلى “العزوف” و**”عدم الرضا”**.

3. تشتت وتعدد النخب: المكونات التي تتحرك في الحقل السياسي أصبحت متعددة، مما أدى إلى “تشردم وتشتت” في النقاش العمومي:

    ◦ بقايا الحركة الوطنية: عددهم في تراجع.

    ◦ رجال الأعمال: خاصة “صحاب الهمزات” و**”الزبونية”**، الذين يشاركون في بناء جو الأعمال حول القرار السياسي.

    ◦ وليدات الثقافة الرقمية: فئة واسعة وطبيعتها مشتتة ويصعب تصنيفها.

    ◦ الأثر: لم تعد هناك “إشكالية كتوحد النقاش العمومي”.

4. رهان كأس العالم 2030: اعتبر ساعف أن تنظيم كأس العالم أصبح “المشروع المجتمعي د المغرب”.

    ◦ الأثر المتوقع: ستكون السياسات العمومية للسنوات الخمس المقبلة موجهة نحو هذا الأفق، والانتخابات المقبلة “غتمشي في هذا الاتجاه”.

5. انهيار منظومة القيم: أشار إلى نظام القيم السائد الذي يطبعه الانتهازية، والوصولية، وانحطاط الأخلاق، واختفاء المبادئ الراسخة.

6. السياق الدولي والإقليمي: يجب استحضار آثار ما يقع إقليمياً ودولياً، مثل حرب غزة وحرب أوكرانيا، على مستقبل الفاعل السياسي.

المحور الثالث: التوجهات الخمسة الضرورية للمستقبل

بناءً على تشخيصه للواقع الذي يطبعه “الحد الأدنى من السياسة” وانهيار منظومة القيم، قدم الدكتور ساعف خمسة توجهات يعتبرها “ضرورية” لكل فاعل سياسي يسعى للتحرك بفعالية في المستقبل، معتبراً هذه المبادئ مفتاحاً لإعادة الاعتبار للفعل السياسي الوطني.

1. ضرورة إعادة الاعتبار للسياسة: يجب تعزيز الفاعل السياسي واستعادة “الهبة ديالو” (هيبته) ومصداقية الكلمة السياسية في الحقل.

2. ثقافة التحديد الذاتي (limitation auto): يجب تطبيق هذا المبدأ، حيث أن قوة الدولة (وهي الأقوى في الساحة) لا تعني أنه من حقها “أن تمحق الفاعلين الآخرين” الذين يعطون حيوية للجسم المغربي. وذكر نموذج الرئيس الفرنسي ميتران كشاهد على ضبط القوة الذاتية.

3. إدخال الأخلاق بقوة: هناك حاجة لـ**”نفس أخلاقي”** وجرعات قوية من الأخلاق في الفعل السياسي. ويرى أن الفاعلين المؤهلين (صنف معين من الأحزاب) هم من يجب أن يحملوا هذه الجرعات.

4. تجاوز سقف 2030: يجب عدم حصر التصورات للسياسات العمومية والاستراتيجيات في أفق كأس العالم، لأن “التاريخ لن يقف في 2030”.

5. (التوجه الخامس): ركز ساعف على الإشارة إلى قضية المشروع السياسي كعنصر خامس لتعزيز قوة الفعل السياسي.

المحور الرابع: الردود والتفاعلات مع أسئلة الشباب

في ختام الندوة، تفاعل الدكتور ساعف مع تساؤلات الشباب، مقدماً رؤية استشرافية لموقع حزب العدالة والتنمية، كما قدم إيضاحات حول طبيعة الإصلاح في المجال العمومي، منبهاً إلى الآثار العميقة للتحولات الاجتماعية والبنية التحتية على الخريطة السياسية والمجتمعية.

1. مستقبل حزب العدالة والتنمية: أكد ساعف، من موقعه كباحث ومواطن مغربي، أن الحزب اكتسب الشرعية والمشروعية وموقع قيادة المجتمع، ولديه نجاحات. وأعرب عن قناعته بأن الحزب أصبح “مكون اساسي في الحياه السياسيه المغربيه ولا يستطيع أي أحد أن ينزع عنه هذا الطبع”.

2. الإصلاح ليس عملية نهائية (رداً على سؤال حول المدارس الرائدة): رداً على سؤال من متدخل من كلميم، أكد ساعف أن الإصلاح هو “سيرورة ديناميه فيها إصلاح الإصلاحات باستمرار”، وليس عملية تتم “بين عشية وضحاها”.

3. أثر التحولات الاجتماعية على السياسة: نبه ساعف إلى أن التحولات الضخمة، مثل تطوير البنية التحتية الطرقية وسهولة الحركة عبر الجغرافيا، لها أثر قوي على الخريطة السياسية.

    ◦ وضرب مثالاً على سهولة السفر حالياً مقارنة بالماضي، حيث كان المناضل يحتاج إلى 48 ساعة للوصول من الحسيمة إلى اجتماع اللجنة المركزية.

    ◦ وتساءل عما إذا كانت هذه السهولة في التنقل قد سهلت “التوجه ديال الشباب المدني أكثر من من المجالات الأخرى”، مؤكداً أن هذه التحولات غيرت الخريطة السياسية في المغرب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!