الدعم العمومي للصحافة المغربية: بيروقراطية خانقة وإقصاء ممنهج للمقاولات الصغرى

عبدالعالي الجابري – الرباط، 6 ماي 2025

أعلنت وزارة الشباب والثقافة والتواصل، قطاع التواصل، عن انطلاق عملية استقبال طلبات الدعم العمومي لمؤسسات الصحافة والنشر وشركات الطباعة والتوزيع لسنة 2025، في الفترة من 14 ماي إلى 26 يونيو. ورغم الإطار القانوني الذي يستند إليه الإعلان، بما في ذلك المرسوم رقم 2.23.1041 والقرار الوزاري رقم 3195.24 الصادر في 19 دجنبر 2024، فإن هذه الخطوة تظل إجراءً شكليًا يعكس استمرار نهج بيروقراطي معقد وغير عادل، يقصي المقاولات الصغرى والمتوسطة ويعمق أزمة القطاع الإعلامي.

في هذا المقال، ننتقد البلاغ الوزاري، مستندين إلى تفاصيل القرار الوزاري 3195.24، لنكشف عيوبه البنيوية ونبرز كيف يفشل في تحقيق أهداف الدعم العمومي.

يحدد القرار الوزاري 3195.24 قائمة طويلة من الوثائق المطلوبة للاستفادة من الدعم العمومي، سواء للطلبات الأولية أو التجديد. بالنسبة للطلبات الأولية، تشمل الوثائق المشتركة نسخة من السجل التجاري تثبت نشاطًا لمدة عامين، شهادة الوضعية الضريبية، شهادة الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ووثيقة نظام محاسبة تحليلية مصادق عليها من خبير محاسب.

أما المؤسسات الصحفية، فتُطالب بوثائق إضافية، مثل نسخ من إيصال إيداع النشر، التزام بعدم تجاوز 50% للمساحة الإعلانية في الصحف الورقية أو 30% في الصحف الإلكترونية، وتقديم قاعدة بيانات إحصائية لعدد الزوار بالنسبة للصحف الإلكترونية. كما تُطالب شركات الطباعة والتوزيع بإثبات طباعة أو توزيع أكثر من 20 عنوانًا ومليون نسخة سنويًا، مع تقديم فواتير مفصلة.

هذه المتطلبات، رغم مظهرها التقني، تشكل عائقًا كبيرًا أمام المقاولات الصغرى والمتوسطة. فالمؤسسات الناشئة، خاصة في الإعلام الرقمي، غالبًا ما تفتقر إلى الموارد البشرية والمالية لتلبية هذه الشروط المعقدة. على سبيل المثال، اشتراط تقديم قاعدة بيانات إحصائية للزوار أو فواتير صيانة الموقع الإلكتروني يفترض وجود بنية تقنية متقدمة، وهو أمر يتجاوز قدرات العديد من الصحف الإلكترونية الصغيرة.

كذلك، اشتراط طباعة أو توزيع مليون نسخة سنويًا لشركات الطباعة والتوزيع يُقصي الشركات الصغيرة التي تخدم أسواقًا محلية أو متخصصة. هذه الشروط، بدلاً من دعم التنوع الإعلامي، تكرس هيمنة المؤسسات الكبرى التي تمتلك القدرة على تلبية هذه المتطلبات بسهولة.

الفترة المحددة لاستقبال الطلبات، من 14 ماي إلى 26 يونيو 2025، وهي حوالي ستة أسابيع، تبدو قصيرة بشكل لافت بالنظر إلى تعقيد الوثائق المطلوبة. فجمع وثائق مثل شهادات المحاسبة التحليلية، فواتير الطباعة أو التوزيع لسنة كاملة، وقاعدة بيانات إحصائية يتطلب وقتًا وموارد لا تتوفر لدى المقاولات الصغرى.

هذا التقييد الزمني يثير شكوكًا حول نية الوزارة في توسيع دائرة المستفيدين، ويوحي بأن العملية مصممة لتفضيل المؤسسات الكبرى ذات الإمكانيات الإدارية المتقدمة.

في سياق يعاني فيه القطاع الإعلامي من أزمة مالية خانقة، كان من المتوقع تمديد هذه الفترة أو تبسيط الإجراءات لتشجيع مشاركة أوسع.

يفترض أن يهدف الدعم العمومي، وفق المادة 40 من مدونة الصحافة والنشر (القانون 90.13)، إلى تعزيز التنافسية وتنويع المنظومة الإعلامية. لكن البلاغ الوزاري، مدعومًا بالقرار 3195.24، لا يقدم أي ضمانات لتحقيق هذا الهدف. فالشروط الصارمة، مثل اشتراط عامين من النشاط المثبت والحد الأدنى للإنتاج (مليون نسخة للطباعة والتوزيع)، تُقصي المقاولات الناشئة التي تحاول دخول السوق.

كما أن غياب أي إشارة إلى دفتر تحملات يراعي الفوارق بين المؤسسات الكبرى والصغرى يعني أن الدعم سيستمر في التوجه نحو اللاعبين التقليديين، الذين استحوذوا على الموارد العمومية لعقود.

تقارير نقابية، مثل تلك الصادرة عن الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، النقابة الوطنية للصحافة، والجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال، اتحاد المقاولات الصحفية الصغرى والنقابة الوطنية للإعلام والصحافة والكونفدرالية المغربية لناشري الصحف والإعلام الإلكتروني….، أشارت إلى أن المؤسسات الصغرى، خاصة في الإعلام الرقمي، تعاني من تهميش ممنهج بسبب هذه السياسات.

هذا الوضع لا يقوض التنوع الإعلامي فحسب، بل يهدد استدامة القطاع في مواجهة التحولات التكنولوجية المتسارعة.

يُطالب القرار 3195.24 بإيداع الملفات لدى لجنة دعم تنمية قطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع، مع تسليم وصل إيداع. لكن البلاغ لا يوضح تكوين هذه اللجنة، معايير تقييمها، أو آليات الرقابة على قراراتها. تاريخيًا، عانت عمليات الدعم العمومي من اتهامات بالمحسوبية والانتقائية، حيث استفادت مؤسسات مقربة من دوائر النفوذ على حساب أخرى مستقلة.

في غياب نشر لوائح المستفيدين أو تقرير مالي مفصل يخضع لتدقيق المجلس الأعلى للحسابات، يظل الإعلان الحالي عرضة للتشكيك في نزاهته.

يأتي هذا البلاغ في وقت يعاني فيه قطاع الصحافة المغربية من أزمة بنيوية، تتجلى في تراجع حرية التعبير، تدهور الأوضاع الاجتماعية للصحافيين، وصعوبات مالية تهدد استدامة العديد من المؤسسات. بحسب النقابة الوطنية للصحافة المغربية، يعمل أكثر من 60% من الصحافيين في ظروف غير مستقرة، بينما تواجه المقاولات الصغرى خطر الإفلاس.

في هذا السياق، كان من المتوقع أن يرافق الدعم العمومي إصلاحات جذرية، مثل دعم التحول الرقمي، تحسين ظروف العمل، وتعزيز استقلالية الإعلام. لكن البلاغ يقتصر على إجراءات بيروقراطية، دون أي رؤية لمعالجة هذه التحديات.

إن إعلان وزارة الشباب والثقافة والتواصل عن استقبال طلبات الدعم العمومي لسنة 2025، رغم استناده إلى إطار قانوني مفصل، يظل خطوة شكلية تفشل في مواجهة أزمة القطاع الإعلامي. فالشروط البيروقراطية المعقدة، الفترة الزمنية القصيرة، وغياب آليات الشفافية والعدالة في التوزيع تُقصي المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتكرس هيمنة المؤسسات الكبرى.

بدلاً من هذا النهج، ينبغي اعتماد رؤية إصلاحية ترتكز على تبسيط الإجراءات، دعم التحول الرقمي، وضمان توزيع عادل للموارد.

إن استمرار هذا النظام المعيب لن يؤدي سوى إلى تعميق أزمة الصحافة المغربية، مما يستدعي تحركًا عاجلاً من النقابات والمهنيين للمطالبة بإصلاحات حقيقية تحمي التنوع الإعلامي واستقلالية المهنة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى