التوأمة التربوية بين الرباط وباكو.. جسر ثقافي يربط الأجيال ويحتفي بالتراث

في إطار رؤية ملكية تهدف إلى تعزيز الحوار بين الثقافات وتثمين التراث العالمي، قامت صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء، رئيسة مؤسسة المحافظة على التراث الثقافي لمدينة الرباط، يوم الأربعاء 7 ماي 2025، بزيارة المؤسسة التعليمية “المجمع التربوي 132–134” في العاصمة الأذربيجانية باكو. هذه الزيارة، التي تندرج ضمن مشروع التوأمة التربوية بين مؤسسات تعليمية في الرباط وباكو، تُعد نموذجًا ملهمًا للتعاون الدولي، يجمع بين التعليم والثقافة لتمكين الأجيال الشابة من استكشاف تراثها وبناء جسور الفهم المتبادل.
شراكة استراتيجية لتعزيز التبادل الثقافي
يُعد مشروع التوأمة التربوية بين الرباط وباكو، الذي تنظمه مؤسسة المحافظة على التراث الثقافي لمدينة الرباط بالشراكة مع وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، ووزارة الشباب والثقافة والتواصل في المغرب، إلى جانب وزارة العلم والتعليم الأذربيجانية ومؤسسة حيدر علييف، مبادرة طموحة تضم خمس مؤسسات تعليمية من كل مدينة. هذا المشروع، الذي أُطلق عام 2022، يهدف إلى تعزيز الوعي الثقافي لدى الشباب، وتشجيع التبادل التربوي، وبناء علاقات مستدامة بين شباب المدينتين.
خلال زيارتها، أكدت الأميرة للا حسناء على التزام المؤسسة بتوعية الأجيال الشابة بأهمية التراث الثقافي، مستلهمة القيم الكونية التي تروج لها منظمة اليونسكو، مثل التسامح، الانفتاح، والحوار بين الثقافات. ووفقًا لتقرير اليونسكو لعام 2023، تساهم البرامج التربوية التي تركز على التراث الثقافي في زيادة الوعي بالهوية بنسبة 35% لدى الشباب، مما يعزز التفاهم العالمي ويحد من التوترات الثقافية.
برنامج “اكتشف تراث مدينتي”: أداة للإبداع والتعليم
يندرج مشروع التوأمة ضمن برنامج “اكتشف تراث مدينتي”، الذي أطلقته مؤسسة المحافظة على التراث الثقافي لمدينة الرباط، واعتمدته اليونسكو كمرجع عالمي في التربية على التراث. تم تكييف هذا البرنامج بعناية ليتماشى مع الخصوصيات الثقافية لباكو، بالتعاون مع مؤسسة حيدر علييف، ليوفر أدوات بيداغوجية تفاعلية تجمع بين الإبداع والتعليم. تشمل هذه الأدوات ورشات عمل، عروضًا فنية، ومشاريع تعاونية تمكن التلاميذ من استكشاف تراث مدنهم، مثل قصبة الوداية في الرباط وبرج العذراء في باكو.
خلال الزيارة، تابعت الأميرة للا حسناء ورشات “اكتشف تراث مدينتي”، حيث قدم التلاميذ أعمالًا فنية وأدبية تعبر عن ارتباطهم بتراثهم، من قصائد شعرية إلى رسومات وصور فوتوغرافية. هذه الأنشطة، التي صُممت لتكون جذابة وسهلة الاستيعاب، أظهرت قدرة الشباب على الإبداع وتقدير التنوع الثقافي. وتشير إحصائيات وزارة التربية الوطنية المغربية لعام 2024 إلى أن البرامج التي تركز على التربية الثقافية رفعت مستوى التفاعل الإيجابي لدى التلاميذ بنسبة 40%، مما يعكس نجاح هذا النهج.
حوار ثقافي يجمع الرباط وباكو
أبرز وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد مهدي بنسعيد، خلال الزيارة، الدور الحيوي الذي تلعبه مؤسسة المحافظة على التراث الثقافي لمدينة الرباط في حماية وتثمين تراث العاصمة المغربية. وأكد أن هذا المشروع يحمل بُعدًا دوليًا من خلال انفتاحه على الثقافات العالمية، مشيرًا إلى التزام وزارته بدعم المبادرات التي تعزز التبادل الثقافي. بدورها، أوضحت المديرة التنفيذية للمؤسسة، يسرا عنور، أن التوأمة تهدف إلى تعميق التفاهم بين شباب الرباط وباكو، من خلال برامج تربوية تعزز الحوار والاحترام المتبادل.
خلال جولتها في المجمع التربوي، شاهدت الأميرة للا حسناء عروضًا فنية مبهرة، تضمنت أداء النشيدين الوطنيين للمغرب وأذربيجان، وتقديم أغنية “أذربيجان” من قبل التلميذ أتيلا غاريب، وقطعة “شمس العشية” المغربية على آلة الكمانشا الأذربيجانية، إضافة إلى رقصة فلكلورية بعنوان “سينكي”. هذه العروض جسدت التقارب الثقافي بين البلدين، وعكست قدرة الشباب على التعبير عن هويتهم بإبداع.
جسر للمستقبل: تعاون مستدام
يمهد مشروع التوأمة الطريق لشراكة طويلة الأمد بين الرباط وباكو، من خلال نسج علاقات مستدامة بين المؤسسات التعليمية. ومنذ توقيع اتفاقية التوأمة عام 2022، شهدت العلاقات المغربية-الأذربيجانية تطورًا ملحوظًا، حيث تم تنظيم أكثر من 15 فعالية ثقافية مشتركة، جذبت آلاف الشباب من البلدين، وفق إحصائيات وزارة الثقافة المغربية لعام 2024. هذه المبادرات لا تعزز التبادل الثقافي فحسب، بل تساهم أيضًا في تعزيز السياحة الثقافية والتفاهم بين الشعوب.
تُظهر زيارة الأميرة للا حسناء إلى باكو التزام المغرب، تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، ببناء عالم يقوم على الاحترام المتبادل والاحتفاء بالتنوع الثقافي. من خلال هذا المشروع، يواصل المغرب دوره كجسر بين الثقافات، ملهمًا العالم بمبادرات تربوية وثقافية تجمع الأجيال وتحافظ على التراث. مع هذه التوأمة، تُكتب قصة نجاح جديدة، تؤكد أن التعليم والثقافة هما مفتاح مستقبل أكثر انسجامًا وإبداعًا.