التنظيم الذاتي للصحافة المغربية: بين طموحات المرسوم 2.24.1143 وتناقضات الواقع

وجدة، 15 ماي 2025
في سياق يتسم بالتحديات المتزايدة التي تواجه قطاع الصحافة المغربية، أثار صدور المرسوم رقم 2.24.1143، المتعلق بتحديد اختصاصات وتنظيم قطاع التواصل، نقاشًا حادًا حول أداء الحكومة في تعزيز التنظيم الذاتي للصحافة.
هذا المرسوم، الذي قدمه وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد المهدي بنسعيد، يطمح إلى توسيع اختصاصات قطاع التواصل لتشمل مهام جديدة، مثل تطوير صناعة الألعاب الإلكترونية ومكافحة الأخبار الزائفة.
لكن، وعلى الرغم من هذه الطموحات، يبدو أن هناك تناقضات بين تصريحات الوزير بنسعيد والممارسات الفعلية للحكومة، مما يثير تساؤلات حول مدى التزامها بدعم استقلالية الصحافة وتعزيز تنظيمها الذاتي.
المرسوم 2.24.1143: خطوة إصلاحية أم إطار شكلي؟
يهدف المرسوم 2.24.1143، الذي صودق عليه في مجلس الحكومة بتاريخ 28 مارس 2025، إلى تنظيم قطاع التواصل من خلال توسيع اختصاصاته لتشمل مجالات مبتكرة، مثل وضع مخططات لتطوير الألعاب الإلكترونية وتعزيز آليات مكافحة الأخبار الزائفة في التواصل المؤسساتي والعمومي.
على الورق، يبدو هذا التوجه خطوة إيجابية نحو تحديث القطاع ومواكبة التحولات الرقمية. لكن، عند النظر إلى سياق الصحافة المغربية، يظهر أن المرسوم يفتقر إلى مقاربة واضحة لتعزيز التنظيم الذاتي، الذي يُعدّ ركيزة أساسية لحرية الصحافة واستقلاليتها، كما ينص عليه الفصل 28 من الدستور المغربي.
التنظيم الذاتي، الذي يجسده المجلس الوطني للصحافة، يفترض أن يكون آلية مستقلة تضمن احترام أخلاقيات المهنة، وتدافع عن حقوق الصحفيين، وتحمي حرية التعبير دون تدخل مباشر من الحكومة.
لكن، القرارات الحكومية الأخيرة، مثل تمديد ولاية المجلس الوطني للصحافة سنة 2022 عبر المرسوم بقانون رقم 2.22.770، أثارت انتقادات واسعة. اعتبرت أوساط إعلامية هذا التمديد خرقًا للدستور، لأنه يمس باستقلالية القطاع ويعيق تجديد الهيئة عبر انتخابات ديمقراطية، كما تنص عليه المادة 6 من قانون المجلس.
هذا المثال يكشف عن فجوة بين الخطاب الرسمي، الذي يروج لدعم التنظيم الذاتي، والممارسات التي تميل إلى تعزيز السيطرة الحكومية.
تصريحات بنسعيد: طموح نظري وواقع متناقض
في تصريحاته المتكررة، يؤكد الوزير بنسعيد التزام الحكومة بدعم الصحافة وتحديثها. في يناير 2025، أعلن أن الدعم الحكومي الاستثنائي للصحافة سينتهي في مارس 2025، مع تفعيل مرسوم جديد (2.23.1041) يحدد شروط الاستفادة من الدعم العمومي.
وشدد على أن الهدف هو تعزيز النموذج الاقتصادي للمقاولات الصحفية، تحسين أوضاع الصحفيين، والحفاظ على مناصب الشغل.
كما أشار في مناسبات سابقة إلى أهمية احترام اتفاقيات الشغل الجماعية وتكوين صحفيين محترفين قادرين على مواجهة تحديات الأخبار الزائفة.
لكن، هذه التصريحات تتصادم مع واقع معقد. على سبيل المثال، رغم الإشادة بأهمية الحفاظ على مناصب الشغل، فإن شروط الدعم العمومي، كما وردت في مراسيم سابقة مثل 2.23.1041، تفرض معايير صارمة (مثل التصريح بالصحفيين لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتقديم شهادة الوضعية الجبائية)، مما استبعد العديد من المقاولات الصغيرة والمتوسطة من الاستفادة.
هذه الشروط، رغم أنها تهدف إلى تنظيم القطاع، قد ساهمت في تهميش منابر إعلامية ناشئة، مما يتناقض مع خطاب الوزير حول “تشجيع الاستثمار” و”تعزيز المهنية”.
أما في ما يخص التنظيم الذاتي، فإن تصريحات بنسعيد حول دعم استقلالية الصحافة تبدو غامضة عند مقارنتها بمواقف الحكومة. في ديسمبر 2022، انتقد الوزير تحول انتخابات المجلس الوطني للصحافة إلى “غاية في حد ذاتها“، مما يوحي بتردد في دعم العملية الديمقراطية لتجديد المجلس.
هذا الموقف يعزز الانطباع بأن الحكومة تفضل الحفاظ على هيمنتها على القطاع، بدلاً من تمكين المجلس من أداء دوره كجهة مستقلة، كما ينص عليه القانون 90.13 المتعلق بإحداث المجلس.
تعارض بين الخطاب والمرسوم؟
المرسوم 2.24.1143، رغم طموحه في تنظيم قطاع التواصل، لا يتناول بشكل مباشر قضية التنظيم الذاتي للصحافة. تركيزه على مجالات مثل الألعاب الإلكترونية ومكافحة الأخبار الزائفة يعكس رؤية تقنية ومؤسساتية، لكنه يتجاهل التحديات الأساسية التي تواجه الصحفيين، مثل ضمان الحرية التحريرية، حماية الحقوق الاجتماعية، وتعزيز استقلالية المجلس الوطني للصحافة.
هذا الغياب يتناقض مع تصريحات بنسعيد، التي تؤكد على أهمية “وضع الصحفي في صلب الدعم” واحترام اتفاقيات الشغل الجماعية.
علاوة على ذلك، فإن التركيز على مكافحة الأخبار الزائفة، كما ورد في المرسوم، قد يثير مخاوف من تقييد حرية الصحافة، خاصة في غياب ضمانات واضحة لعدم استغلال هذه الآليات لفرض رقابة غير مباشرة.
الفصل 28 من الدستور يحمي حرية الصحافة من “أي شكل من أشكال الرقابة القبلية“، لكن تجارب سابقة، مثل تمديد ولاية المجلس الوطني للصحافة، تشير إلى ميل الحكومة للتدخل في شؤون القطاع بطرق قد تتعارض مع هذا المبدأ.
نحو إصلاح حقيقي أم استمرار للتناقضات؟
أداء الحكومة في ملف التنظيم الذاتي للصحافة يظل مثار جدل. من جهة، تسعى الحكومة من خلال مراسيم مثل 2.24.1143 إلى تقديم نفسها كمدافعة عن تحديث القطاع، مع تخصيص دعم مالي كبير (325 مليون درهم في 2024) ووضع شروط للمهنية.
لكن، من جهة أخرى، فإن القرارات التي تمس باستقلالية المجلس الوطني للصحافة، والشروط الصارمة للدعم التي تستثني العديد من المنابر، تعكس نهجًا يميل إلى المركزية بدلاً من تمكين الصحفيين ومؤسساتهم.
لكي تتجاوز الحكومة هذه التناقضات، يتعين عليها اتخاذ خطوات ملموسة:
- أولاً، ضمان إجراء انتخابات ديمقراطية لتجديد المجلس الوطني للصحافة، لتعزيز شرعيته واستقلاليته.
- ثانيًا، مراجعة شروط الدعم العمومي لتكون أكثر شمولية، مع التركيز على دعم الصحفيين الأفراد والمنابر الناشئة.
- ثالثًا، وضع ضمانات قانونية تمنع أي استغلال لآليات مكافحة الأخبار الزائفة لتقييد حرية التعبير.
في النهاية، يبقى السؤال معلقًا: هل ستتمكن الحكومة من الوفاء بوعودها بتحديث الصحافة وتعزيز تنظيمها الذاتي، أم أن المرسوم 2.24.1143 سيظل مجرد واجهة تخفي استمرار السيطرة الحكومية؟ الإجابة تكمن في مدى استعداد الحكومة للاستماع إلى الصحفيين أنفسهم، وتمكينهم من صياغة مستقبل مهنتهم، بعيدًا عن التناقضات بين الخطاب الرسمي والممارسات الفعلية.