التعليم العالي في المغرب.. طموحات كبيرة تواجه واقعًا معقدًا

الرباط، 8 مايو 2025 –

في جلسة برلمانية حيوية عقدت يوم 7 مايو 2025، قدم وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عرضًا شاملًا أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، كشف فيه عن واقع التعليم العالي المغربي، نقاط قوته، تحدياته، واستراتيجياته المستقبلية. وبينما أبرز الوزير طموحات كبيرة لتحويل الجامعات إلى محركات للتنمية، تظل الإكراهات الهيكلية – من ضعف الحكامة إلى محدودية التمويل – عقبات رئيسية تهدد تحقيق هذه الرؤية.

فما مدى قدرة المغرب على تجاوز هذه التحديات وإعادة صياغة منظومة التعليم العالي؟

واقع مرير: أرقام تكشف التحدي

يعاني التعليم العالي في المغرب من تحديات عميقة تعكسها الأرقام المقلقة. نسبة التسرب الجامعي تصل إلى 45%، ونسبة البطالة بين خريجي الجامعات تبلغ 25.7% (الهيئة العليا للتخطيط، 2024)، مما يشير إلى فجوة كبيرة بين التكوين الأكاديمي ومتطلبات سوق الشغل.

في مجال البحث العلمي، يبلغ الإنتاج العلمي 0.5 مقال لكل باحث سنويًا، مقارنة بـ1.5 عالميًا، بينما يخصص المغرب 0.75% فقط من ناتجه الداخلي للبحث، مقابل 2.2% في فرنسا و1.4% في إسبانيا.

هذه الأرقام تكشف عن نظام يعاني من ضعف التمويل، غياب التوجه التطبيقي، ومحدودية التنافسية الدولية.

الحكامة تمثل عقبة أخرى. الجامعات المغربية، بأحجامها الهائلة وهياكلها الإدارية الثقيلة، تعاني من غياب أنظمة معلوماتية متكاملة وتقييم مستمر.

نسبة التأطير البيداغوجي (63 طالبًا لكل أستاذ) تضع المغرب في موقف متأخر مقارنة بالمعايير الأوروبية.

أما الخدمات الطلابية، مثل السكن والإطعام، فتعاني من نقص حاد، حيث لا تتجاوز الطاقة الاستيعابية 104,000 سرير، معظمها في القطاع العام.

نقاط ضوء وسط التحديات

رغم هذه الصعوبات، يتمتع النظام بنقاط قوة لا يمكن إنكارها. الجامعات المغربية تجذب طلابًا من دول إفريقية، مما يعزز الإشعاع الإقليمي. كما أن التنوع المؤسسي والاعتماد الدولي للشهادات يشكلان أساسًا لتطوير النظام.

نظام المنح الجامعية، الذي شهد تحسينات ملحوظة، يعكس التزام الدولة بدعم الطلاب، حيث ارتفعت نسبة الاستجابة للمنح إلى 93% لعام 2024-2025، مع هدف الوصول إلى 450,000 منحة بحلول 2026.

استراتيجية طموحة.. لكن هل تكفي؟

قدم الوزير استراتيجية طموحة تتركز على تحسين العرض التكويني، تعزيز البحث العلمي، تطوير الشراكات، وتحسين الحياة الطلابية. من بين المبادرات المقترحة إنشاء وكالة وطنية للبحث العلمي، تطوير مدن للابتكار، وزيادة برامج الدكتوراه. كما يهدف النظام إلى تعزيز التعاون الدولي، خاصة مع الدول الإفريقية، وتوسيع برامج التنقل الأكاديمي. في مجال الحكامة، تشمل الخطة تحديث القانون الإطاري 51-17، التحول الرقمي، وإرساء نظام تعاقدي بين الدولة والجامعات.

لكن هذه الاستراتيجية، رغم طموحها، تواجه عقبات تنفيذية. ضعف التمويل يظل العائق الأكبر، حيث تعتمد الجامعات بشكل شبه كامل على ميزانية الدولة. كما أن غياب شراكات فعّالة مع القطاع الخاص ومحدودية إسهامات المجالس الجهوية يعيقان تنويع الموارد.

وفي ظل البيروقراطية الإدارية، قد تتأخر تطبيقات القوانين والمبادرات المقترحة، مما يثير تساؤلات حول قدرة النظام على تحقيق أهدافه بحلول 2030.

نظرة نقدية: حاجة إلى إصلاح جذري

إن واقع التعليم العالي المغربي يعكس تناقضًا بين الطموح الاستراتيجي والتحديات الهيكلية. ارتفاع نسب التسرب والبطالة يشير إلى فشل النظام في مواكبة التطورات الاقتصادية العالمية، حيث تظل البرامج الأكاديمية بعيدة عن احتياجات سوق العمل.

على سبيل المثال، تقرير البنك الدولي (2023) يشير إلى أن 60% من الوظائف المستقبلية ستتطلب مهارات رقمية متقدمة، وهي مهارات يفتقر إليها معظم الخريجين المغاربة بسبب ضعف التكوين في المهارات العابرة واللغات.

في مجال البحث العلمي، يعكس ضعف الإنتاج ومحدودية التمويل عجزًا عن المنافسة في الساحة الدولية. بينما تسعى دول مثل كوريا الجنوبية (3.5% من الناتج الداخلي للبحث) إلى قيادة الابتكار، يظل المغرب متأخرًا بسبب غياب استراتيجية واضحة لتحويل الأبحاث إلى منتجات تجارية. كما أن ضعف التعاون مع الجالية العلمية المغربية بالخارج يُعد فرصة مهدرة لتعزيز القدرات البحثية.

نعتقد أن إصلاح التعليم العالي يتطلب نهجًا جذريًا يتجاوز الإصلاحات السطحية. يجب إعطاء الأولوية للاستثمار في البحث التطبيقي والشراكات مع القطاع الخاص لضمان توجيه التكوين نحو المهن المستقبلية. كما أن تعزيز الحكامة يتطلب تقليص البيروقراطية وإشراك الجامعات في اتخاذ القرارات.

وفي ظل التحديات الاقتصادية العالمية، ينبغي للمغرب الاستفادة من موقعه الجيواستراتيجي لتعزيز التعاون مع إفريقيا وأوروبا، مما يمكن أن يرفع من جاذبية الجامعات المغربية.

مستقبل التعليم العالي: بين الأمل والتحدي

يعكس عرض الوزير طموحًا واضحًا لتحويل التعليم العالي إلى رافعة للتنمية، لكن الطريق إلى ذلك مليء بالعقبات. الإصلاحات المقترحة، من تحديث الحكامة إلى تعزيز البحث العلمي، تمثل خطوات إيجابية، لكن نجاحها يتوقف على توفير التمويل الكافي، تسريع التنفيذ، وتجاوز البيروقراطية. في وقت يواجه فيه المغرب تحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة، يظل التعليم العالي الرهان الأكبر لضمان جيل قادر على قيادة المستقبل.

كون جزءًا من التغيير!
تابع النقاش حول إصلاح التعليم العالي في المغرب، وشارك في صياغة مستقبل يضمن تعليمًا عادلًا وتنافسيًا. الجامعات المغربية تنتظر إبداعاتك وطموحاتك – فهل أنت مستعد لتحدي التغيير؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى