التعليم العالي في المغرب: بين الفساد المستشري والأمل في الأساتذة النبلاء

يمر التعليم العالي في المغرب بأزمة عميقة، تجسدت مؤخرًا في فضيحة مدوية هزت أركان الجامعة المغربية. اعتقال أستاذ جامعي بتهمة الاتجار بالدبلومات والتلاعب بالشهادات الجامعية، مع العثور على ثمانية ملايير سنتيم في حوزة زوجته، ليس مجرد خبر عابر، بل زلزال كشف عن هشاشة النظام التعليمي العالي ومدى تفشي الفساد في مؤسسات يُفترض أنها قلعة العلم والمعرفة. هذه القضية، التي أثارت غضب الرأي العام، تضع الجامعة المغربية في قفص الاتهام، وتطرح أسئلة محيرة حول أسباب وصول التعليم العالي إلى هذا الدرك الأسفل.

الفساد: تهديد وجودي للجامعة المغربية

الفضيحة التي تورط فيها الأستاذ الجامعي (أ.ق)، الذي تم تعيينه منسقًا إقليميًا لحزب الاتحاد الدستوري قبل أسابيع من اعتقاله، تكشف عن أبعاد خطيرة. هذا الأستاذ، الذي يُشتبه في بيعه دبلومات وتسجيل طلاب في برامج الماستر مقابل رشاوى، يمثل حالة صادمة تتجاوز الفرد لتشير إلى خلل بنيوي في النظام. كيف وصلت الجامعة المغربية إلى هذا المستوى من التدهور؟ ولماذا تظل جامعاتنا غير مصنفة دوليًا، وتفتقر إلى الاعتماد الأكاديمي العالمي؟

الإجابة قد تكمن في تراكم الأعطاب المزمنة: سوء التدبير، غياب المحاسبة، وتسليم مناصب المسؤولية لغير الأكفاء. لقد شهدنا وزراء تعليم عاجزين عن صياغة خطاب متماسك، ورؤساء جامعات لم ينجحوا في استعادة هيبة المؤسسة الأكاديمية. هذه الفضيحة تؤكد أن الجامعة لم تعد مجرد فضاء للعلم، بل تحولت، في بعض جوانبها، إلى سوق لتجارة الشهادات، تهدد بنيان الدولة ومستقبل أجيالها.

ضرورة عدم التعميم: أساتذة يستحقون التقدير

رغم هذا الواقع القاتم، يجب ألا نغفل وجود أساتذة جامعيين يشرفون مهنتهم ويستحقون بجدارة لقب “أستاذ جامعي”. قصة أستاذ بجامعة القاضي عياض بمراكش، كما روتها إحدى الطالبات، تُضيء وجهًا مشرقًا للجامعة المغربية. هذا الأستاذ، الذي يخصص راتبه لدعم الطلبة المعوزين، يشتري لهم الكتب، ويدفع عنهم تكاليف وجباتهم، يمثل نموذجًا نادرًا للنزاهة والتفاني. يعيش من مداخيل أبحاثه ومحاضراته، ويترك أثرًا إيجابيًا في نفوس طلابه، مما يؤكد أن الجامعة المغربية لا تزال تحتضن كفاءات أخلاقية وعلمية.

الحلول: إصلاح جذري ومحاسبة صارمة

إن معالجة هذه الأزمة تتطلب إصلاحًا شاملًا يبدأ بتطهير الجامعة من الفساد وإعادة الاعتبار للكفاءة والنزاهة. يجب أن تتجاوز الإجراءات اعتقال فرد أو اثنين إلى فتح تحقيقات موسعة تشمل جميع المسؤولين الذين أشرفوا على التعليم العالي خلال العقود الماضية. كما ينبغي تعزيز الشفافية في تعيين الأساتذة وتسجيل الطلبة، ووضع معايير صارمة للجودة الأكاديمية.

علاوة على ذلك، يجب الاحتفاء بالأساتذة المخلصين ودعمهم، ليكونوا قدوة للأجيال الجديدة. الجامعة المغربية بحاجة إلى استعادة قيمها وأخلاقياتها، وهذا لن يتحقق إلا بتضافر جهود الدولة، المجتمع، والأكاديميين أنفسهم.

التعليم العالي في المغرب يقف على مفترق طرق. فضيحة الاتجار بالدبلومات كشفت عن عمق الأزمة، لكن قصص الأساتذة النبلاء تذكرنا بأن الأمل لا يزال قائمًا. إن إنقاذ الجامعة المغربية يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وإصلاحات جريئة، وتقديرًا للكفاءات التي تحافظ على شرف المهنة. فهل ستكون هذه الفضيحة نقطة تحول نحو الأفضل، أم مجرد حلقة أخرى في سلسلة الإخفاقات؟ الجواب يعتمد على ما ستفعله الدولة والمجتمع اليوم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى