التطور السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية: من المعارضة إلى المشاركة في السلطة

مقدمة
يُعتبر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (USFP) أحد أبرز الأحزاب السياسية في المغرب، الذي لعب أدوارًا محورية في المشهد السياسي منذ تأسيسه عام 1975. انبثق الحزب عن انشقاق داخل حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (UNFP)، الذي كان قد انفصل بدوره عن حزب الاستقلال عام 1959. تأسس الحزب في سياق تاريخي اتسم بسيطرة النظام الملكي تحت حكم الحسن الثاني، المعروف بفترة “سنوات الرصاص”، حيث كانت المعارضة السياسية تواجه قمعًا شديدًا. ونال الاتحاد الاشتراكي النصيب الاكبر من حملة القمع تلك لأنه صنف نفسه كحزب معارضة يساري يدافع عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
المرحلة التأسيسية: المعارضة والصراع من أجل الديمقراطية
في بداياته، تبَنَّى الحزب خطابًا يساريًا ديمقراطيًا، رافعًا شعارات الإصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية وحقوق العمال، وانتقد سياسات التهميش والفساد. شكل الحزب جزءًا من الكتلة الديمقراطية، التي ضمت أحزابًا معارضة للنظام، وساهم في تنظيم الاحتجاجات والمطالبات بإصلاح دستوري خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
أبرز المحطات:
- واحتجاجات عمالية مثل أحداث الدار البيضاء الدامية عام 1981.
- الدعوة إلى تقليص صلاحيات الملكية وإقامة نظام برلماني.
التحول نحو المشاركة في السلطة: التسعينيات و”التناوب التوافقي”
شهدت تسعينيات القرن الماضي تحولًا جذريًا في استراتيجية الحزب، حيث قبل مبدأ التناوب التوافقي عام 1998، عندما أصبح عبد الرحمن اليوسفي، زعيم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، رئيسًا للوزراء. كانت هذه خطوة مهمة نحو الإصلاح السياسي في عهد الملك الحسن الثاني، تم تعزيزها تحت حكم ابنه الملك محمد السادس (1999–الآن).
دلالات المرحلة:
- انتقال الحزب من المعارضة إلى تحمل مسؤولية الحكم، مع الحفاظ على تحالفات مع الملكية.
- قيادة إصلاحات اجتماعية وقانونية، مثل مدونة الأسرة (2004) وتشجيع الحريات العامة.
التحديات: واجه الحزب انتقادات بسبب “التطبيع” مع النظام، وفقدان جزء من قاعدة الشباب المتشبث بالخط الثوري.
ما بعد الربيع العربي: بين تراجع النفوذ والبحث عن الهوية
أثرت أحداث الربيع العربي (2011) بشكل كبير على الحزب، حيث انخرطت قيادته في عملية الإصلاح الدستوري التي قادها الملك محمد السادس، لكنه واجه منافسة من قوى جديدة مثل حزب العدالة والتنمية (الإسلامي)، الذي تصدر المشهد بعد انتخابات 2011.
- تراجع الانتخابي: خسر الحزب تدريجيًا مقاعده البرلمانية، حيث حصل على 34 مقعدًا فقط في انتخابات 2021 (من أصل 395)، مقارنة بـ57 مقعدًا في 2011.
- الأسباب:
- انقسامات داخلية بين تيارين: أحدهما يراهن على التحالف مع النظام، والآخر يطالب بإعادة الاعتبار للهوية اليسارية.
- عزوف الشباب عن الأحزاب التقليدية، واتهام الحزب بالاندماج في “المنظومة”.
الخصائص الفكرية والتحديات المعاصرة
حافظ الحزب على هويته الاشتراكية الديمقراطية، لكنه خفَّف من خطابه الراديكالي لصالح نهج إصلاحي واقعي. اليوم، يواجه تحديات وجودية:
- الهوية السياسية: صعوبة التوفيق بين مبادئه التأسيسية ومتطلبات التحالف مع النظام.
- المنافسة: صعود أحزاب جديدة (كـ”الاحتجاجية” أو الإسلاميين) جذبَت الناخبين الشباب.
- التجديد الجيلي: ضرورة إدماج قيادات شابة لاستعادة الزخم.
خاتمة
يمثل مسار الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نموذجًا لتطور الأحزاب اليسارية في المغرب، من مرحلة النضال ضد الاستبداد إلى الاندماج في لعبة السلطة. ورغم تراجع نفوذه، يبقى الحزب فاعلًا في المشهد بفضل تاريخه وتجربته، لكن مستقبله مرهون بقدرته على تجديد خطابه واستقطاب أجيال جديدة في سياق متغير.