“البيان” بدلاً من البيان: الإمارات ترد على هذيان الجزائر بقلم جريدة بدلاً من دبلوماسية!
الجزائر وهوس الشعارات.. هجوم عبثي على الإمارات يكشف أزمة هوية

عبدالعالي الجابري، وجدة، 07 ماي 2025
في خضم التوترات السياسية التي تعصف بالمنطقة، اختارت الجزائر أن تطلق نيرانها الإعلامية على دولة الإمارات العربية المتحدة، في هجوم غير مسبوق وصفه البعض بالهستيري، مستخدمة لغة لا تليق بدولة تدعي السيادة والعراقة.
البيان الصادر عن التلفزيون الجزائري الرسمي، يوم الجمعة 2 ماي 2025، لم يكن مجرد رد فعل على تصريح تلفزيوني، بل كشف عن أزمة عميقة تعانيها الجزائر: أزمة هوية سياسية تتخبط بين الشعارات الشعبوية والعداء الممنهج لجيرانها وشركائها العرب.
فما القصة وراء هذا الهجوم العبثي؟ ولماذا تختار الجزائر الإمارات كشماعة لإخفاقاتها الداخلية؟
سكاي نيوز والمؤرخ المثير للجدل: ذريعة أم استفزاز متعمد؟
بدأت القصة مع برنامج “السؤال الصعب” على قناة “سكاي نيوز عربية”، حيث أثارت تصريحات المؤرخ الجزائري محمد الأمين بلغيث جدلًا واسعًا. بلغيث، في نقاش مع المذيعة الجزائرية فضيلة سويسي، زعم أن الأمازيغية “صنيعة صهيونية فرنسية” تهدف إلى تقسيم المنطقة، وهو رأي أثار استياءً شعبيًا واسعًا في الجزائر، حيث تُعتبر الأمازيغية مكونًا أساسيًا للهوية الوطنية.
لكن بدلاً من توجيه النقد لبلغيث أو فتح نقاش علمي حول تصريحاته، اختار النظام الجزائري تصعيد الأمر إلى مستوى دبلوماسي خطير، مهاجمًا الإمارات بألفاظ مثل “دويلة مصطنعة” و”مصنع للفتنة”، في بيان رسمي بثته قناة “ENTV” الرسمية.
هذا الهجوم لم يكن وليد اللحظة. فالعلاقات الجزائرية-الإماراتية تشهد توترًا متصاعدًا منذ سنوات، بدأ بشكل علني عندما افتتحت الإمارات قنصلية في مدينة العيون بالصحراء المغربية عام 2020، في خطوة دعمت فيها السيادة المغربية، مما أثار غضب النظام الجزائري الداعم لجبهة البوليساريو الانفصالية.
منذ ذلك الحين، تحولت الإمارات إلى هدف دائم للإعلام الجزائري، الذي يتهمها بـ”التآمر” و”بث الفتنة” في المنطقة، سواء في ليبيا، مالي، أو حتى داخل الجزائر نفسها.
أزمة داخلية وشماعة خارجية
يكشف هذا الهجوم عن محاولة يائسة من النظام الجزائري لصرف الانتباه عن أزماته الداخلية. فالجزائر، التي تعاني من نقص مزمن في المواد الأساسية، طوابير الحليب والخبز، وتدهور الوضع الاقتصادي، تجد في الإمارات كبش فداء مثاليًا لتبرير إخفاقاتها.
“البيان الإماراتي”، الصادر يوم 6 ماي 2025، أشار بوضوح إلى هذا التكتيك، مؤكدًا أن “الجزائر باتت تستخدم الإمارات كشماعة لكل فشل داخلي، ومتكأ لكل خطاب عدواني”.
النظام الجزائري، الذي يقدم نفسه كحامي “الثوابت الوطنية”، يبدو عاجزًا عن تقديم حلول ملموسة لمشاكل شعبه. فبدلاً من الاستثمار في التنمية أو تحسين مستوى المعيشة، يلجأ إلى تضخيم الشعارات الوطنية واختلاق أعداء خارجيين.
تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون، التي وصف فيها دولة عربية شقيقة بـ”التآمر” دون تسميتها، لم تترك مجالًا للشك في أن الإمارات هي المقصودة.
هذه التصريحات، التي جاءت بعد هدوء نسبي عقب اتصال هاتفي بين تبون ومحمد بن زايد في مارس 2025، تؤكد أن النظام الجزائري يفتقر إلى استراتيجية دبلوماسية متماسكة، مفضلاً الهجوم العشوائي على بناء علاقات متوازنة.
تاريخ مشوه وهوية متخبطة
البيان الإماراتي لم يتوقف عند الرد على الاتهامات، بل فتح جرحًا حساسًا في السردية الجزائرية. فالجزائر، التي تتغنى بـ”مليون ونصف المليون شهيد”، تم اتهامها بتضخيم هذا الرقم لأغراض سياسية، حيث أشار البيان إلى أن هذه الأرقام “اخترعها جمال عبد الناصر في لحظة تحريض رومانسي“، وأن الجزائر لم تكن يومًا دولة قائمة بذاتها قبل استفتاء 1962 الذي منحها الاستقلال بفضل فرنسا.
هذا الطرح، رغم حدته، يضع الجزائر أمام مرآة تاريخية، تكشف هشاشة خطابها الوطني الذي يعتمد على أرقام غير موثقة وشعارات عاطفية بدلاً من إنجازات ملموسة.
في المقابل، تقدم الإمارات نموذجًا مغايرًا. ففي خمسين عامًا فقط، تحولت من صحراء إلى واحدة من أكثر الدول تقدمًا في العالم، بفضل رؤية استراتيجية وسياسة خارجية حكيمة. جواز السفر الإماراتي، الذي يُعد الأقوى عربيًا، يقابل بدولة جزائرية تعاني شعبها من أزمات معيشية مزمنة.
الإمارات، التي دعمت المغرب في قضية الصحراء ووقفت إلى جانب استقرار المنطقة، تُتهم من الجزائر بـ”الفتنة”، بينما هي “الجزائر” تدعم ميليشيات وحركات انفصالية في ليبيا، مالي، والصحراء الغربية، مما يثير تساؤلات حول مصداقية خطابها عن “السلام والسيادة”.
دبلوماسية الشتائم: سقطة جزائرية جديدة
استخدام الجزائر لألفاظ مثل “دويلة” و”كيان مصطنع” في بيان رسمي يمثل سقطة دبلوماسية غير مسبوقة. هذه اللغة، التي وصفت بـ”المبتذلة” في البيان الإماراتي، لا تعكس فقط غياب الحكمة، بل تكشف عن حالة من اليأس السياسي.
فالنظام الجزائري، الذي يدير ظهره للرأي العام المحلي المنشغل بالأزمات الاقتصادية، حاول استغلال قضية بلغيث لإظهار نفسه كمدافع عن “الثوابت الوطنية”، لكنه وقع في فخ ردود الفعل الهستيرية التي أضرت بمصداقيته الدولية.
في المقابل، اختارت الإمارات الرد بلغة المنطق والحكمة، مؤكدة أنها “تترفع عن المهاترات” وتفضل “البناء على السباب”. هذا الرد، الذي جاء عبر قنوات رسمية، أظهر فارقًا واضحًا بين دولة تعمل على تعزيز استقرار المنطقة وأخرى تغرق في صراعات داخلية وخارجية. فالإمارات، التي كانت من أوائل الدول التي تلقت دعمًا من المغرب عند تأسيسها عام 1971، تؤكد التزامها بالتضامن العربي، بينما تستمر الجزائر في استعداء جيرانها، من المغرب إلى ليبيا، مرورًا بالإمارات والسعودية.
خاتمة: الإمارات تبني والجزائر تصرخ
في النهاية، تظل الإمارات نموذجًا لدولة شابة استطاعت، بفضل رؤيتها الطموحة، أن تحتل مكانة مرموقة على الساحة الدولية. في المقابل، تكشف هجمات الجزائر المتكررة عن نظام يعاني من أزمة شرعية، يحاول تعويض فشله الداخلي بخطابات عدوانية وشعارات فارغة. البيان الإماراتي لخص هذا الفارق بقوله: “من لم يُحسن بناء ذاته، لا يحق له أن ينصب نفسه قيمًا على الآخرين”.
الجزائر، التي تتغنى بتاريخها المقاوم، مطالبة اليوم بإعادة النظر في سياساتها العدائية، والتركيز على بناء دولة تليق بتضحيات شعبها، بدلاً من استنزاف طاقاتها في صراعات وهمية. أما الإمارات، حسب “البيان” فستظل شامخة، لا لأنها تصرخ، بل لأنها تنجز، مؤكدة أن التاريخ لا يكتب بالشتائم، بل بالأفعال.