الانتماء النقابي لا يمنح حصانة ضد المتابعة التأديبية في قطاع الصحافة

في سياق الجدل المستمر حول أخلاقيات مهنة الصحافة في المغرب، أصدرت اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر بيانًا رسميًا ردت فيه على بلاغ النقابة الوطنية للصحافة المغربية، التي عبرت عن تضامنها مع اثنين من أعضائها، محمد الطالبي وجواد الخني، بعد قرارات تأديبية صدرت في حقهما من لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية.

ويسلط هذا الجدل الضوء على أهمية الالتزام بأخلاقيات الصحافة وضرورة احترام التنظيم الذاتي للمهنة، بغض النظر عن الانتماء النقابي.

خلفية القضية: قرارات تأديبية وردود فعل نقابية

بدأت القضية عندما تلقت لجنة أخلاقيات المهنة شكاوى ضد محمد الطالبي، نائب رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وجواد الخني، عضو مكتبها التنفيذي.

وفي حالة الطالبي، اتهم باستخدام منصات التواصل الاجتماعي لنشر محتوى يتضمن وصف أعضاء اللجنة المؤقتة بـ”الانتهازيين”، مع التشكيك في نزاهتهم المالية.

أما الخني، فقد واجه شكوى من الدرك الملكي بسبب نشره خبرًا في جريدته الإلكترونية “اليوم السابع” يزعم تورط دركيين في قضية تسمم بالكحول المغشوشة، دون تقديم أدلة كافية.

وأثارت هذه القرارات التأديبية رد فعل النقابة، التي وصفتها بأنها محاولة لـ”تكميم الأفواه” واستهداف أعضائها. لكن اللجنة المؤقتة رفضت هذه الادعاءات، معتبرة أن بلاغ النقابة تضمن “مغالطات” تحتاج إلى تصحيح، مؤكدة أن قراراتها تستند إلى ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة المنشور في الجريدة الرسمية.

ميثاق الأخلاقيات: مسؤولية الصحافي على كل المنصات

ينص ميثاق أخلاقيات المهنة، في البند السادس من محور الاستقلالية والنزاهة، على أن الصحافي ممنوع من استخدام أي وسيلة اتصال، بما في ذلك شبكات التواصل الاجتماعي، لتصفية الحسابات أو نشر الإشاعات والاتهامات الكاذبة.

وبهذا، ردت اللجنة على ادعاء النقابة بأن تدوينة الطالبي كانت في “حائط خاص” لا يخضع لقواعد الممارسة الصحفية، مؤكدة أن الصحافي يتحمل مسؤولية أخلاقية عن كل ما ينشره، سواء في وسيلة إعلامية تقليدية أو على منصات رقمية مثل فيسبوك.

وفي حالة جواد الخني، أوضحت اللجنة أنها منحته فرصًا متعددة لتوضيح ادعاءاته أو التوصل إلى صلح مع الدرك الملكي بوساطة النقابة، لكنه لم يقدم أدلة تدعم خبره ولم يتم أي صلح. وبناءً على ذلك، أصدرت اللجنة قرارها التأديبي في 5 مارس 2025، بعد استدعاءات متكررة بدأت منذ 23 أكتوبر 2024.

دور التنظيم الذاتي واستنكار اللجنة

أشادت اللجنة المؤقتة بتعاون الدرك الملكي مع آليات التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة، معتبرة ذلك خطوة إيجابية نحو تعزيز المسؤولية المهنية. في المقابل، عبرت عن استنكارها لموقف النقابة، التي وصفته بأنه يعكس دفاعًا غير مبرر عن أخطاء مهنية واضحة.

وتساءلت اللجنة عما إذا كانت النقابة تتوقع من لجنة أخلاقيات المهنة أن تتغاضى عن هذه الانتهاكات، متجاهلة واجبها القانوني والأخلاقي.

وأكدت اللجنة أن الانتماء إلى أي نقابة لا يمنح حصانة ضد المتابعة التأديبية، مشيرة إلى أن النقابة الوطنية للصحافة المغربية كانت في السابق رائدة في وضع أسس التنظيم الذاتي، مما يجعل موقفها الحالي محيراً.

وأضافت أن قيادة النقابة وجهت اتهامات خطيرة للجنة المؤقتة، مثل “النزعة الانتقامية المبرمجة”، وهي تهم تمس مصداقية أعضائها، محتفظة بحقها في اللجوء إلى القضاء إذا استمر هذا التصعيد.

تحديات الالتزام بأخلاقيات المهنة

كشفت اللجنة أنها أصدرت 203 قرارات تأديبية حتى 30 أبريل 2025، ولم تواجه معارضة إلا من بعض أعضاء قيادة النقابة الوطنية للصحافة المغربية. واعتبرت أن موقف النقابة يحرض على تقويض التنظيم الذاتي، وهو ما قد يهدد مصداقية المهنة.

كما دعت الأطراف التي تعتبر نفسها متضررة من القرارات إلى الطعن فيها قضائيًا، بدلاً من اللجوء إلى تهديدات مثل “الخطوات النضالية الاحتجاجية”، التي لن تثني اللجنة عن أداء واجبها.

أخلاقيات الصحافة فوق الانتماءات

يبرز هذا الجدل أهمية الالتزام بأخلاقيات الصحافة كضمانة لحماية الجمهور والحفاظ على مصداقية المهنة. فالصحافة، كما أكدت اللجنة المؤقتة، ليست مجرد مهنة بل مسؤولية اجتماعية تتطلب احترام القوانين والأعراف، بغض النظر عن الانتماءات النقابية.

ومع استمرار التحديات التي تواجه التنظيم الذاتي في المغرب، يبقى السؤال: هل ستتمكن الأطراف المعنية من استعادة الثقة المتبادلة لتعزيز مهنة صحفية أكثر نزاهة ومسؤولية؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى