الاحتفال بخطاب  18 مارس 2003 هي فرصة للاعلام لشكر جلالة الملك

عبد العالي الجابري – مارس 2023

يعتبر الإعلام آلية هامة لإحداث التغيير داخل المجتمع وکذا لربط مختلف التفاعلات التي يمکن أن تنشأ بين أفراده، ولكونه علما قائما بذاته له أصوله المتميزة ومصطلحاته الخاصة کغيره من الحقول المعرفية فهو يضطلع بدراسة وتحميل ووصف وکذا معالجة مختلف الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية، إلى غيرها من الظواهر التي تحکم مسيرة التطور الانساني الهائل في شتى المجالات.

وتؤدي وسائل الإعلام بشکل عام  كما كانت ولا تزال أدورا مهمة ومؤثرة في حياة الأفراد والمجتمعات ، إذ يناط بها تسليط الأضواء على زمام المبادرة في طرح الخطط وإثارة المعرفة الإنسانية فيما يتعلق بعمليات الوعي المعرفي والسلوکي… مما سيؤدي ، على الأقل نظريا،  إلى تنمية المجتمع بشکل عام.

و إذا کان للإعلام دورا هاما في التعريف بقضايا التنمية المستدامة، وفي ابتکار الأفکار التي تدفع في هذا الاتجاه، فإن لوسائل الإعلام الرقمى بشکل خاص دور کبير يمکن أن تؤديه، لما لهذا النمط من الإعلام من انتشار واسع بين قطاعات کبيرة من الجماهير.

اذن انطلاقا مما سبق فان اهتمام الاعلام بالخطاب الملكي ل 18 مارس 2003، اهتماما مشروعا لكون جلالته رسم، نصره الله وايده، ذات صباح يوم ثلاثاء، بساحة القطار بوجدة، معالم خارطة طريق لتنمية اجتماعية شاملة لجهة الشرق…

حيث جاء في خطاب جلالته، انه “تجسيدا لعنايتنا السامية، بهذه المنطقة، ذات الإمكانيات الهامة والمؤهلات البشرية، المتميزة بالارادة القوية، والجدية في العمل، فقد قررنا اتخاذ مبادرة ملكية لتنمية الجهة الشرقية، مرتكزة على محاور أربعة تهدف الى:

  • تحفيز الاستثمار والمقاولات الصغرى والمتوسطة للشباب
  • وتزويد الجهة بالتجهيزات الأساسية، وإعطاء الأولوية لمشاريع اقتصادية هامة
  • النهوض بالتربية والتأهيل
  • وتفعيل التضامن

معتمدين آليات للتمويل والمتابعة والتقييم، في التفعيل الملموس لمبادرتنا” انتهى خطاب جلالته

وبهذا التوجيه الملكي الذي جاء، بعدما وقف جلالته على أحوال ساكنة جهة الشرق، كاستجابة لاحتياجات المواطنين الملحة وانشغالاتهم القوية، لتسخير إمكانيات الدولة لتسمح بزيادة الفرص ومساعدة الأفراد في التغلّب على الصعوبات التي تواجههم في جميع المجالات. إضافةً إلى ذلك، حث جميع القوى الحية على التنسيق وتوحيد كل الجهود بغرض تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المجتمعات المحلية بجهة الشرق.

كما ان الخطاب الملكي اعتبر ان التنمية عملية داخلية ذاتية بمعنى أن كل بذورها ومقوماتها الأصلية موجودة في داخل كيان الجهة نفسها وأن أي عوامل خارجية لا تعدو أن تكون عوامل مساعدة أو محفزة. لأن التنمية عملية ديناميكية مستمرة وليست حالة ثابتة أو آنية محددة في المكان والزمان.

أضف الى ذلك، يتضح جليا من محاور الخطاب ان أمر التنمية غير مرتبط بطريق واحد أو اتجاه محدد مسبقا وإنما تتعدد طرقها واتجاهاتها باختلاف وتنوع الإمكانيات الكامنة في داخل كل فرد من سكان المنطقة، لذا عمد جلالته على تحديد مجموعة شروط لعملية التنمية بالجهة تحددت في :

الشرط الأول: هو إزاحة كل المعوقات التي تحول دون انبثاق الإمكانيات الذاتية الكامنة داخل الفرد- أو المجتمع، عبر التكوين والتأهيل، حيث نستنتج ان التنمية تقوم على تطبيق المعرفة وتطويع وتطوير التكنولوجيا الملحية وانتقاء التكنولوجيا المتقدمة الملائمة وتسخير التطبيقات العلمية بكل صورها في تيسير حياة المواطن وإبراز القوى المودعة في بنيته الفكرية والفيزيولوجية.

الشرط الثاني: هو توفير المؤسسات التي تساعد على نمو هذه الإمكانيات الإنسانية المنبثقة إلى أقصى حدودها، في افق تفجير كل الإمكانيات البشرية الكامنة للإنتاج والخلق والإشباع والتنمية، لتصل بهم إلى تأكيد الأيمان بقدرتهم على تغيير الواقع والاشتراك في العمل الجماعي والرغبة في الإنجاز على أسس عملية، وهي الطريقة الوحيدة لخلق تراكم مادي ومعرفي.

الشرط الثالث هو التحول في علاقة الجهة بباقي الجهات وكذا بالعالم الخارجي: عبر احداث مناطق حرة وتحسين الشبكة الطرقية وبناء ميناء من الطراز العالمي، في افق تحقيق التمكن الذاتي من الموارد المالية وتحقيق اللامركزية اقتصادية للوصول إلى علاقات تجارية متكافئة مع الجهات الأخرى مع الاحتفاظ بالخصوصيات المحلية.

كما ان الخطاب حدد من حيث الاختصاص ثلاثة مرافق ، اعتبرها منوطة بإنجاح المهمة و هي : الحكومة  ومؤسسات الدولة، المؤسسات الشبة الحكومية والاجتماعية ، المؤسسات الخيرية والنسيج الجمعوي المدني.

أولا فيما يتعلق بمؤسسات الدولة، ينبغي الاشارة في البداية الى المسؤولية الرئيسية للحكومة، باعتبار، فرضيا، تتوفر على برنامج حكومي، صادق عليه ممثلو الأمة بمجلس النواب، وعلى ذلك فهي ملزمة بإدراج التوجيهات الملكية في الميزانية السنوية قصد تجسيد مختلف المشاريع على ارض الواقع.

كما ان مختلف المؤسسات الأخرى مدعوة بدورها لإعداد برامج تصب في اتجاه تسهيل تنفيذ المشاريع الملكية،  سواء على صعيد البنيات التحتية او على صعيد تدخلاتها القطاعية.

ثانيا: اما على صعيد المؤسسات ذات الطابع الاجتماعي، فإن الأمر يتطلب مخططا استراتيجيا قائما على المرتكزات الواردة بالخطاب الملكي، بشكل مندمج، مع كل الهيئات والتنظيمات الرسمية وغير الرسمية، او شبه الرسمية، او الخاصة او المدنية، القادرة على المساهمة بأي مجهود ممكن حتى يكون العمل منسقا بشكل جيد من أجل تحقيق على الاقل اولى الاهداف الاجتماعية، والتي ترتبط بالتربية والتكوين والصحة والشغل والسكن اللائق.

ثالثا:  كل مجهودات الدولة، ينبغي ان يتم تكملتها وتتميمها وسد ثغراتها من قبل العمل التضامني القادر على خلق علاقات مجتمعية سليمة.

أن الحق في العيش الكريم ، يتطلب مساهمة جماعية يكون فيها العمل الخيري الى جانب تدخلات النسيج الجمعوي المدني في مختلف مجالات احتياجات المواطنين والمواطنات الموجودين والموجودات في حالة هشاشة، نتيجة الفقر والحاجة.

ان تداخل هذه العوامل، سيمكن من تعميق الاوراش الملكية بالجهة الشرقية، من خلال استثمار البنية التحتية التي أشرف عليها جلالته بنفسه في زياراته المتكررة والمتتالية للجهة.

 وبهذا الخصوص، ينبغي استحضار المسؤولية التي تقع على عاتق الاعلام بمختلف اشكاله وألوانه، في مواكبة اوراش التنمية بالجهة الشرقية، فالإعلام يعتبر احد عناصر الرقابة الكفيلة بتذكير المسؤولين من خلال التغطيات والملاحظات والانتقادات البناءة، التي تروم خدمة الصالح العام.

ونشير هنا الى ملاحظة لابد منها أن الاعلام في كل دولة أو جهة او منطقة، لن يكون افضل مما هي اوضاعها الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فهو وبكل فصائله ليس الا ظاهرة تعكس واقعا معينا، يعكس الصورة بجمالها وبشاعتها أو بطبيعتها وزخارفها، بل حتى ذلك الاعلام الذي يضخم (يكثر من التمجيد) او يصغر الصورة (يكثر من الانتقاد) لا يستطيع ان يخفي الملامح العامة لوجه الواقع… لذا وبكل صراحة لا حظنا ان الفترة التي ازدهر فيها الاعلام بجهة الشرق هي فترة الزيارات الملكية.

وأخيرا، تنبغي الاشارة الى ان الخطاب الملكي التاريخي تضمن مختلف عناصر نجاح المبادرة التنموية للجهة الشرقية، ان الأمر لا يتعلق بمخطط مجرد، بل بمخطط ترافقه العناصر التالية:

  • وجود التمويل المناسب
  • تحديد الجهات المسؤولة عن التنفيذ
  • آليات المتابعة والتقييم عند التفعيل الملموس للمبادرة الملكية

واضافة لكل هذا وذاك، فإن مختلف الزيارات الملكية الموالية شكلت اهم متابعة ومراقبة جعلت الجهات المعنية تحرص فعلا على إنجاح المبادرة، ولا أدل على ذلك من انجاز على الطريق السيار فاس-وجدة، والسكة الحديدية تاوريرت الناظور، والطريق الساحلي الشمالي… وباختصار كل البنيات الأساسية التي تتمتع بها الجهة الشرقية.

ختاما، إن الاحتفال بذكرى خطاب 18 مارس 2003 الذي رسم فيه صاحب الجلالة الملك محمد السادس الخطط التنموية الشاملة والمندمجة لتنمية جهة الشرق، هي فرصة متكررة لنقول “شكرا لجلالة الملك محمد السادس“.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى