الأحزاب السياسية وغياب الحوار العام حول إصلاح القوانين الانتخابية: أزمة ثقة أم انعدام رؤية؟

مع اقتراب نهاية المهلة التي حددتها وزارة الداخلية للأحزاب السياسية لتقديم مذكراتها ومقترحاتها حول إصلاح القوانين الانتخابية تمهيدًا لاستحقاقات 2026، يبدو المشهد السياسي المغربي غارقًا في صمت مقلق.
أقل من أسبوع يفصلنا عن انتهاء الأجل المحدد، لكن لا شيء يلوح في الأفق يشير إلى أي دينامية أو تحرك جدي من قبل الأحزاب السياسية.
هذا الصمت ليس مجرد غياب للحركة، بل هو تعبير عن أزمة أعمق تهز الثقة بين المواطن والمؤسسات الحزبية، وتطرح تساؤلات جوهرية حول جدوى العملية الانتخابية برمتها.
غياب الحوار العام: تقصير أم استبعاد متعمد؟
كان من المتوقع أن تتحول لحظة إصلاح القوانين الانتخابية إلى فرصة حقيقية لتعبئة الرأي العام وإشراك المواطنين في نقاش وطني حول مستقبل العملية الديمقراطية. لكن، وللأسف، لم نشهد أي مبادرة من الأحزاب السياسية لفتح قنوات حوار مع المواطنين. لا ندوات، لا لقاءات مفتوحة، ولا حتى منصات إلكترونية لاستقبال مقترحات المنتسبين أو الجمهور. هذا الغياب المطلق للتواصل يعكس، في أحسن الأحوال، تقصيرًا في أداء الأحزاب، وفي أسوأ الأحوال، استبعادًا متعمدًا للمواطن من عملية تشكيل القوانين التي ستحكم تمثيله السياسي.
إن إصلاح القوانين الانتخابية ليس مجرد مسألة تقنية أو إدارية، بل هو لحظة سياسية بامتياز، كان ينبغي أن تكون مناسبة لإعادة بناء الثقة بين الأحزاب والمواطنين. لكن الأحزاب، التي يفترض أنها جسور التواصل بين الشعب والدولة، اختارت أن تتعامل مع هذا الملف كما لو كان سرًا من أسرار الدولة، بعيدًا عن أعين الجمهور وآرائه.
لماذا الصمت؟
قد يتساءل المرء: لماذا هذا الصمت المدوي؟ هل هو انعكاس لضعف الدينامية الداخلية للأحزاب؟ أم أن هناك افتقارًا للرؤية السياسية التي تستطيع تحويل هذا الملف إلى قضية رأي عام؟ أم أن الأحزاب ترى في إشراك المواطن مخاطر قد تهدد مصالحها الضيقة؟
أيًا كانت الأسباب، فإن هذا الوضع يكشف عن هوة متزايدة بين الأحزاب والمواطنين، وهي هوة تهدد بتقويض شرعية العملية الانتخابية قبل أن تبدأ.إن غياب النقاش العام حول إصلاح القوانين الانتخابية لا يعني فقط استبعاد المواطن من عملية صنع القرار، بل يعكس أيضًا غياب الطموح السياسي لدى الأحزاب.
فإذا كانت الأحزاب غير قادرة على تحويل هذه اللحظة إلى مناسبة للتعبئة والحشد، فما الجدوى من وجودها كمؤسسات سياسية؟
وإذا كانت لا ترى في المواطن شريكًا في بناء المستقبل السياسي، فلماذا ننتظر من المواطن أن يشارك في انتخابات لا يشعر أن له فيها صوتًا أو تأثيرًا؟
دعوة لإعادة التفكير
إن إصلاح القوانين الانتخابية ليس مجرد تعديل نصوص قانونية، بل هو فرصة لإعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة.
الأحزاب السياسية مدعوة، في الأيام القليلة المتبقية من المهلة، إلى تغيير نهجها والانفتاح على المواطنين من خلال تنظيم لقاءات وندوات، وإنشاء قنوات تواصل إلكترونية تجمع آراء الجمهور.
كما أن على الدولة أن تشجع هذا الحوار وتضمن أن تكون الأحزاب أكثر شفافية وانفتاحًا في مقاربتها لهذا الملف.في نهاية المطاف، إذا لم تستطع الأحزاب تحويل لحظة إصلاح القوانين الانتخابية إلى قضية رأي عام.
فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: ما الحاجة إلى انتخابات إذا كان المواطن مجرد رقم في صندوق الاقتراع، وليس شريكًا في صياغة المستقبل؟
إن استمرار هذا الصمت سيوسع دائرة الإحباط واللامبالاة، وسيضع الديمقراطية المغربية أمام تحدٍ حقيقي. فهل ستستيقظ الأحزاب قبل فوات الأوان؟