اعتصام مأساوي فوق خزان مياه في بني ملال.. قصة احتجاج ومطالب بالعدالة

بني ملال – 13 يوليوز 2025
في مشهد درامي هزّ جماعة أولاد يوسف بإقليم بني ملال، تصدرت واقعة اعتصام مواطن يُدعى “بوعبيد”، يبلغ من العمر حوالي 45 عامًا، عناوين الأخبار بعد أن قرر الصعود إلى قمة خزان مياه مرتفع للمطالبة بالتحقيق في وفاة والده، الجندي المتقاعد، في ظروف غامضة داخل السجن.
هذه الحادثة، التي امتدت لأكثر من أسبوعين، من 24 يونيو الماضي إلى أمس الجمعة11 يوليوز، أي 17 يوما، تحولت من احتجاج سلمي إلى مأساة إنسانية أثارت تساؤلات حول إدارة الأزمات والدعم النفسي والاجتماعي في مثل هذه الحالات.
بدأت القصة عندما قرر بوعبيد، وهو مواطن من المنطقة، الصعود إلى خزان مياه مرتفع في جماعة أولاد يوسف، معلنًا اعتصامه احتجاجًا على ما وصفه بـ”الغموض” المحيط بوفاة والده. وفقًا لمصادر محلية، كان والد بوعبيد جنديًا متقاعدًا توفي في السجن في ظروف لم يتم الكشف عن تفاصيلها بشكل واضح، مما دفع الابن إلى المطالبة بتحقيق نزيه وشفاف. لم يكتفِ بوعبيد بالصعود إلى الخزان، بل تحدى الظروف المناخية القاسية، حيث تعرض للحرارة الشديدة، وامتنع عن تناول الطعام والماء، مما زاد من القلق حول سلامته.
كيف ظل موجودا فوق سطح الخزان بأمتار كثيرة عن سطح الأرض، لمدة 17 يوما، ومع ذلك لم يُصب بضعف أو وهن، ولم يتأثر بلهيب أشعة الشمس الحارقة؟
السلطات المحلية، بما في ذلك الدرك الملكي والوقاية المدنية، حاولت التفاوض مع المعتصم لإقناعه بالنزول. كما شارك أقاربه وممثلو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان في جهود الوساطة، لكن بوعبيد ظل متمسكًا بموقفه، رافضًا أي حوار لا يلبي مطلبه الأساسي: كشف الحقيقة حول وفاة والده.
في تطور صادم يوم الجمعة 11 يوليوز 2025، شهدت الحادثة منعطفًا خطيرًا. تظاهر بوعبيد بإصابته بوعكة صحية، مما دفع عنصرين من الوقاية المدنية للصعود إليه لتقديم المساعدة. لكن، في لحظة مفاجئة، استغل المعتصم الوضع، حيث احتجز أحد العنصرين واستخدم آلة حادة لتهديده، قبل أن يدفعه من أعلى الخزان. أصيب العنصر بكسور خطيرة تطلبت نقله إلى المستشفى الجهوي ببني ملال لإجراء تدخلات جراحية عاجلة. هذا التصرف أثار موجة من الصدمة والاستنكار بين السكان والسلطات على حد سواء.
لم تتوقف الأحداث عند هذا الحد. بعد الواقعة، أقدم بوعبيد على محاولة الانتحار بربط حبل حول عنقه والقفز من الخزان. لحسن الحظ، تمكنت فرق الوقاية المدنية من قطع الحبل بسرعة، واستخدمت وسادة هوائية موضوعة مسبقًا أسفل الخزان لتخفيف وطأة السقوط. نُقل بوعبيد إلى المستشفى الجهوي في حالة حرجة، حيث يخضع حاليًا للعلاج في قسم العناية المركزة.
أثارت الحادثة جدلًا واسعًا في الأوساط المحلية والوطنية. عبرت فعاليات مدنية وحقوقية عن تعاطفها مع قضية بوعبيد، مشيرة إلى أن تصرفاته قد تكون نابعة من شعور عميق بالظلم وغياب قنوات فعالة للتواصل مع السلطات. في المقابل، انتقد آخرون تصرفاته العنيفة، خاصة الاعتداء على رجل الوقاية المدنية، معتبرين أنها تجاوزت حدود الاحتجاج السلمي وشكلت خطرًا على حياة الآخرين.
مصادر محلية أكدت أن النيابة العامة فتحت تحقيقًا قضائيًا للنظر في ملابسات الحادث، بما في ذلك دوافع المعتصم والاعتداء على العنصر الأمني. كما يُتوقع أن يشمل التحقيق ظروف وفاة والد بوعبيد، وهي القضية التي أشعلت شرارة الاعتصام.
تكشف هذه الحادثة عن تحديات كبيرة في التعامل مع حالات الاحتجاج الفردي في المغرب، خاصة تلك التي تتسم بطابع نفسي واجتماعي معقد. خبراء في علم النفس والوساطة أشاروا إلى أن غياب فرق متخصصة في التفاوض النفسي قد يكون ساهم في تصعيد الوضع. كما دعا نشطاء إلى ضرورة إنشاء آليات فعالة لمعالجة شكاوى المواطنين بشأن القضايا القضائية، لتجنب اللجوء إلى أساليب احتجاجية متطرفة.
واقعة اعتصام بوعبيد ليست مجرد قصة فردية، بل تعكس تحديات أعمق تتعلق بالثقة بين المواطن والمؤسسات. بينما يواصل بوعبيد تلقي العلاج في المستشفى، ويبقى عنصر الوقاية المدنية تحت الرعاية الطبية، تبقى الأسئلة معلقة:
- هل كان بالإمكان تفادي هذه المأساة؟
- وكيف يمكن للسلطات والمجتمع المدني العمل معًا لمنع تكرار مثل هذه الحوادث؟
في انتظار نتائج التحقيق الرسمي، تبقى قضية بوعبيد محط أنظار الرأي العام، وسط دعوات متزايدة للعدالة والشفافية، ولإيجاد حلول جذرية لدعم المواطنين في مواجهة قضاياهم.
نذكر ان المجلس الوطني لحقوق الإنسان، نبّه في سياق موازٍ لتطورات قضية الاعتصام فوق خزان مائي بمنطقة أولاد يوسف ببني ملال، إلى خطورة انتشار مقاطع الفيديو الصادمة التي وثّقت لحظات حرجة من الحادث، والتي تم بثّها بشكل مباشر على منصات التواصل الاجتماعي دون أي اعتبارات أخلاقية أو مهنية.