اعتداء الدوحة.. صدمة تكشف وجه إسرائيل المتعطش للدماء وتقوّض سبل السلام

بكل وضوح ودون مواربة، وقف معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس الوزراء ووزير خارجية دولة قطر، أمام مجلس الأمن ليُعرّي حقيقة الاعتداء الإسرائيلي الغادر الذي استهدف الدوحة في التاسع من سبتمبر الجاري. لقد كان حديثه بمنزلة إعلان صارخ بأن ما حدث لم يكن مجرد حادث عسكري، بل هو تصعيد بالغ الخطورة يهدد السلم والأمن الإقليميين، ويضرب في صميم ولاية المجلس بموجب ميثاق الأمم المتحدة.
تفاصيل العدوان: استهداف متعمد لقلب الوساطة
في تمام الساعة 1:46 دقيقة عصر يوم الثلاثاء الموافق 9 سبتمبر الجاري، استهدف هجوم إسرائيلي غادر أحد المقرات السكنية المخصصة من قبل الدولة لسكن الوفود التفاوضية، في خطوة تكشف عن نية مبيتة لنسف جهود السلام. هذه المباني، كما أكد معاليه، يقيم فيها أعضاء وموظفو الوفد التفاوضي لحركة حماس وعائلاتهم بشكل علني ومعروف لكل المعنيين بالوساطة وللإعلاميين والدبلوماسيين.
النتيجة كانت مأساوية: استشهاد المواطن القطري وكيل عريف بدر سعد محمد الحميدي الدوسري، البالغ من العمر 22 عامًا، أثناء تأديته واجبه، وإصابة عدد من المدنيين ومنتسبي قوات الأمن الداخلي القطرية. هذا الاعتداء لم يكتفِ بإراقة الدماء، بل روّع المدنيين والأطفال في حي سكني يعج بالمدارس ودور الحضانة والبعثات الدبلوماسية.
انتهاك صارخ ومسؤولية دولية
إن ما حدث يمثل “انتهاكًا سافرًا لسيادة دولة ذات عضوية كاملة في الأمم المتحدة”. والسيد وزير الخارجية لم يتردد في وصف من قام به بأنه “قيادة متطرفة بعيدة كل البعد عن سلوك الدول المتحضره المؤمنة بالسلام”. هذا العدوان يضع النظام الدولي برمته أمام اختبار حقيقي، فكيف يمكن لإسرائيل أن تبعث مسؤولين للتفاوض على أرض قطر، بينما قيادتها تخطط لقصفها بعد أيام وتقصفها فعلاً؟
لقد “تجاوزت إسرائيل بقيادة المتطرفين المتعطشين للدماء جميع الحدود التي تفرضها الأعراف والقوانين الدولية، بل حتى أبسط الأصول الأخلاقية في التعامل ليس مع الدول بل حتى بين البشر”. إن “قادة إسرائيل الحاليين مصابون بالغرور وسكرة القوة”؛ لأنهم ضمنوا الإفلات من العقاب والمساءلة، وهو ما أدى بهم إلى “المجاهرة ليس فقط بأوهام إعادة تشكيل المنطقة بالقوة بل أيضًا بدوافع غيبية وأفكار أصولية”.
قطر: صانعة سلام لن يردعها دعاة الدمار
على الرغم من هذا الاعتداء السافر، أكدت دولة قطر “أنها ستواصل دورها الإنساني والدبلوماسي دون تردد أينما كان هذا الدور طريقًا نحو حقن الدماء”. فدور قطر في الوساطة، بالشراكة مع جمهورية مصر العربية الشقيقة والولايات المتحدة الأمريكية، أثمر عن نتائج ملموسة في الإفراج عن 148 رهينة إسرائيليًا وأجنبيًا والمئات من الأسرى الفلسطينيين، وإيصال المساعدات الإنسانية لأهل غزة، ما جعله “بارقة الأمل النادرة في هذا النزاع الدامي”.
لكن السيد رئيس الوزراء وزير الخارجية كان واضحًا وحازمًا، مؤكدًا أن قطر “لن تتهاون إزاء أي مساس بسيادتها وأمنها وتحتفظ بحقها المشروع في الرد عبر الوسائل التي يكفلها القانون الدولي”. لقد كشف هذا الاعتداء بوضوح عن “نوايا إسرائيل المبيتة لإجهاض أي مسعى نحو السلام وإطالة أمد المعاناة الإنسانية للشعب الفلسطيني الشقيق”. ويفضح كذلك أن “المتطرفين الذين يحكمون إسرائيل اليوم لا يابهون بحياة الرهائن، وأن تحريرهم ليس أولوية لديهم”، وإلا فكيف يفسر اختيار توقيت ومكان الهجوم في الوقت الذي كانت فيه المفاوضات تعقد لمناقشة وقف إطلاق النار وفق المقترح الأمريكي الأخير؟.
دعوة لمجلس الأمن: تحملوا مسؤوليتكم التاريخية
إن الصمت أمام “فرض شريعة الغاب واستهداف دولة ذات سيادة في وضح النهار يقوّض قواعد العمل الدولي ويهدد مستقبل أي عملية سلام في منطقتنا”. هذا الاعتداء لا يستهدف قطر وحدها، بل هو “تهديد صريح باستهداف كل دولة تعمل على إحلال السلام، مما يزعزع الثقة بالمنظومة الأممية ذاتها”.
لقد دعا السيد رئيس الوزراء وزير الخارجية مجلس الأمن الموقر إلى “تحمل مسؤوليته التاريخية”. وأكد أن “الطريقة الوحيدة للسلام يمر عبر المفاوضات ويبدأ بوقف إطلاق النار وإطلاق سراح جميع الرهائن والأسرى والدخول غير المشروط للمساعدات الإنسانية لقطاع غزة ورفع الحصار عنها”. وأخيرًا، يجب أن “لا نستسلم لغطرسة المتطرفين وأن نستمر في السعي نحو سلام دائم عنوانه حل الدولتين من خلال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على ترابها الوطني وفق قرارات الشرعية الدولية”.
قطر، دعاة سلام لا دعاة حرب، اختارت السلام منهجًا، و”لن يردعها عنه دعاة الحرب والدمار”. هذه الحقائق وُضعت أمام مجلس الأمن، وهي دعوة عالمية للتحرك قبل أن تبتلع المنطقة فوضى لا تُبقي ولا تذر.