اسئلة القراء: ظاهرة الازدحام والاختلاط حول الكعبة المكرمة هذه السنة، هل امر مفتعل ام بسبب سوء التسيير؟

توصلنا في الجريدة بسؤال التالي: ظاهرة الازدحام والاختلاط حول الكعبة المكرمة هذه السنة، هل امر مفتعل ام بسبب سوء التسيير؟

وعملنا قبل الرد على البحث في الموضوع، فتوصلنا الى النتائج التالية:

ظاهرة الازدحام والاختلاط حول الكعبة المكرمة في عام 2025، وبالأخص خلال شهر رمضان، ليست بالضرورة أمرًا مفتعلًا أو نتيجة سوء تسيير بقدر ما هي انعكاس لعدة عوامل مترابطة، يمكن تحليلها بعقلانية بعيدًا عن الافتراضات غير المثبتة.

أولًا، الزيادة الكبيرة في أعداد المعتمرين هذا العام تلعب دورًا رئيسيًا. تقارير تشير إلى أن أكثر من 3 ملايين معتمر ومصلٍ تواجدوا في الحرم المكي في أوقات الذروة، مثل العشر الأواخر من رمضان. هذا العدد الهائل، خاصة في مساحة محدودة مثل صحن الطواف، يجعل الازدحام أمرًا متوقعًا. تاريخيًا، شهد الحرم ازدحامات مماثلة في مواسم سابقة، مثل رمضان 2017، حيث توقف الطواف لساعات بسبب الكثافة البشرية، لكن هذا العام يبدو أن الأعداد قد تضاعفت بسبب تسهيلات السفر بعد الجائحة وزيادة الرغبة في أداء العمرة.

ثانيًا، التنظيم السعودي لموسم العمرة هذا العام شهد تحسينات ملحوظة، مثل استخدام عربات الجولف الكهربائية مع مسارات مخصصة وحجز إلكتروني عبر تطبيقات مثل “نسك”. هذه الخطوات، التي أشاد بها البعض، ساعدت في امتصاص جزء من الضغط، خاصة لكبار السن والمعاقين. لكن، رغم ذلك، تبقى قدرة المسجد الحرام على استيعاب هذه الأعداد محدودة، إذ إن البنية التحتية –حتى مع التوسعات الضخمة في العقود الأخيرة– لم تُصمم أصلًا لمثل هذه الكثافة في وقت واحد.

ثالثًا، سلوك بعض المعتمرين قد يفاقم الوضع. هناك من يصرون على الوصول إلى الحجر الأسود أو الاقتراب من الكعبة بأي ثمن، مما يؤدي إلى تدافع غير ضروري. كما أن عدم الالتزام بإرشادات التنظيم، مثل التوقف عند إغلاق البوابات أو اتباع المسارات المحددة، يزيد من الفوضى. هذه التصرفات ليست جديدة وتتكرر سنويًا، لكن تأثيرها يصبح أكثر وضوحًا مع ازدياد الأعداد.

هل الأمر مفتعل؟ لا توجد أدلة ملموسة تشير إلى أن الازدحام مُفتعل عمدًا. السلطات السعودية تستثمر مليارات الريالات سنويًا لتحسين تجربة الحج والعمرة، ومصلحتها تكمن في ضمان سلاسة الشعائر لا تعطيلها. أما سوء التسيير، فهو اتهام نسبي. التحدي يكمن في إدارة كثافة غير مسبوقة في ظل قيود مكانية وزمنية، وليس بالضرورة في غياب التخطيط. توقف الطواف مؤقتًا، كما حدث في 23 رمضان 1446هـ (23 مارس 2025)، ليس سابقة تاريخية، بل نتيجة طبيعية لتجاوز الطاقة الاستيعابية.

في النهاية، الازدحام هذا العام يبدو نتيجة تفاعل عوامل موضوعية: أعداد هائلة، مساحة محدودة، وسلوكيات فردية، مع وجود جهود تنظيمية تحاول –ولو بنجاح جزئي– احتواء الوضع. الحلول المستقبلية قد تتطلب إعادة تقييم مواعيد الزيارات أو فرض حصص يومية أكثر صرامة، لكن نسبة الظاهرة إلى “تفتعل” أو “سوء تسيير” مطلق قد تكون تبسيطًا لتحدٍ معقد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى