اختراق بريد ماكرون الإلكتروني: فرنسا تتهم روسيا وتفتح ملف “ماكرون ليكس” مجددًا

باريس – 30 أبريل 2025
أثارت اتهامات فرنسية جديدة لروسيا بالوقوف وراء اختراق رسائل البريد الإلكتروني لحملة الرئيس إيمانويل ماكرون الانتخابية عام 2017، المعروفة باسم “ماكرون ليكس”، جدلًا واسعًا. الحادث، الذي وقع قبل أيام من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، كشف عن تسرب 9 غيغابايت من البيانات، بما في ذلك رسائل بريد إلكتروني ووثائق تخص فريق الحملة، مما أثار مخاوف بشأن التدخل الأجنبي في العملية الديمقراطية. فما هي القصة؟
تفاصيل الحادث
في مايو 2017، وقبل يومين من الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، تم تسريب آلاف الرسائل الإلكترونية والوثائق الخاصة بحملة ماكرون عبر منصات مثل ويكيليكس ومنتديات مجهولة. تضمنت التسريبات مراسلات داخلية، خطط حملة، ومعلومات مالية، لكنها لم تكشف عن فضائح كبيرة. ورغم أن التسريب لم يؤثر بشكل مباشر على فوز ماكرون، إلا أنه أثار تساؤلات حول أمن المعلومات والتدخلات الأجنبية.
في 29 أبريل 2025، أعلنت السلطات الفرنسية، عبر وزارة الخارجية، أن المخابرات العسكرية الروسية، وتحديدًا مجموعة القرصنة “فانسي بير” (Fancy Bear) التابعة لوكالة GRU، تقف وراء هذا الاختراق. هذه المجموعة، المعروفة بهجماتها الإلكترونية على أهداف غربية، سبق أن ارتبطت باختراق البرلمان الألماني عام 2015 وحزب الديمقراطيين الأمريكيين عام 2016. وأشارت فرنسا إلى أن الهجوم كان جزءًا من سلسلة هجمات إلكترونية روسية ضد مصالحها، بما في ذلك شبكة تلفزيونية عام 2015.
كيف تم الاختراق؟
وفقًا لبعض المصادر، استُهدفت رسائل البريد الإلكتروني لأعضاء فريق الحملة عبر هجمات تصيد (phishing) استخدمت برمجيات خبيثة للوصول إلى الحسابات. وأشار أحد المستخدمين على منصة X إلى أن الاختراق قد يكون ناتجًا عن ضعف كلمات المرور لدى أحد أعضاء الحملة، مما سهّل عملية القرصنة باستخدام تقنيات بسيطة مثل “Bruteforce”. لكن هذه المعلومات تظل غير مؤكدة رسميًا.
السياق السياسي
الإعلان عن هذه الاتهامات يأتي في وقت يتصاعد فيه التوتر بين فرنسا وروسيا. فقد كثّف ماكرون في الأسابيع الأخيرة خطابه ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خاصة في سياق الضغط على المفاوضات الأمريكية-الروسية بشأن وقف إطلاق النار في أوكرانيا. ويُنظر إلى هذا الاتهام على أنه محاولة فرنسية لإرسال إنذار لموسكو، مع تعزيز موقف باريس كمدافع عن الأمن السيبراني في أوروبا.
انتقادات ووجهة نظر
رغم جدية الاتهامات، تواجه طريقة تعامل السلطات الفرنسية مع الحادث انتقادات معتدلة:
- توقيت الإعلان: يثير تأخر فرنسا حتى 2025 لتوجيه اتهامات رسمية تساؤلات حول الأسباب. فتقارير سابقة منذ 2017 أشارت إلى تورط روسي محتمل، مما يجعل البعض يتساءل عما إذا كان الإعلان المتأخر يخدم أجندة سياسية حالية، مثل تصعيد الضغط على موسكو أو تعزيز صورة ماكرون قبل انتخابات مستقبلية.
- ضعف الإجراءات الأمنية: كشف الحادث عن ثغرات في أمن المعلومات لدى فريق الحملة، مثل ضعف الوعي بمخاطر التصيد الإلكتروني. هذا يعكس حاجة ملحة لتطوير بروتوكولات أمنية أكثر صرامة في الحملات السياسية.
- غياب تداعيات ملموسة: رغم الاتهامات، لم تعلن فرنسا عن عقوبات محددة ضد روسيا مرتبطة بهذا الحادث، مما قد يُضعف تأثير الإعلان. كما أن غياب أدلة علنية مفصلة قد يُشكك في قوة الاتهامات.
وجهة نظر: اختراق “ماكرون ليكس” يكشف عن التحدي المستمر الذي تواجهه الديمقراطيات في حماية عملياتها الانتخابية من الهجمات الإلكترونية. الاتهامات ضد روسيا، إذا ثبتت، تؤكد الحاجة إلى تعاون دولي لمواجهة الحرب السيبرانية.
لكن التأخر في الإعلان والتركيز على الجانب السياسي قد يُفقد القضية بعض مصداقيتها. ينبغي لفرنسا تعزيز أمنها السيبراني، تدريب فرقها السياسية على مواجهة التصيد، والعمل مع حلفائها الأوروبيين لوضع آليات ردع أكثر فعالية. في الوقت ذاته، يجب أن تكون الاتهامات مدعومة بأدلة شفافة لتجنب الاستغلال السياسي.
حادث “ماكرون ليكس” ليس مجرد اختراق إلكتروني، بل انعكاس للصراع الجيوسياسي المعقد في عصر الحرب السيبرانية. اتهام فرنسا لروسيا يعيد فتح ملف التدخل الأجنبي، لكنه يبرز أيضًا الحاجة إلى إجراءات أمنية داخلية أقوى. وبينما تتصاعد التوترات مع موسكو، تبقى القدرة على حماية الديمقراطية من التهديدات الإلكترونية تحديًا حاسمًا لفرنسا وشركائها الغربيين.