إنجاز صيني يعيد تشكيل فهمنا للمناخ العالمي والمحيطات
نموذج LICOMK++: ثورة صينية في محاكاة المناخ والمحيطات بدقة غير مسبوقة

بكين – 10 مايو 2025
وفقًا لتقارير نشرتها وكالة الأنباء الصينية “شينخوا” وصحيفة “تشاينا ديلي” في 8 و9 مايو 2025، طوّر فريق من العلماء الصينيين نموذجًا متقدمًا لمحاكاة دوران المحيطات العالمية يُعرف باسم LICOMK++، بقيادة معهد فيزياء الغلاف الجوي التابع للأكاديمية الصينية للعلوم ومختبر لاوشان. يتميز هذا النموذج بدقة أفقية غير مسبوقة تصل إلى 1 كيلومتر، مما يتيح محاكاة دقيقة للعمليات المحيطية على مستوى المقياس المتوسط والفرعي، مثل الدوامات والجبهات المحيطية.
في خطوة تاريخية لعلم المناخ، كشف فريق من العلماء الصينيين عن تطوير نموذج LICOMK++، وهو نموذج محاكاة عالمي بدقة أفقية تصل إلى 1 كيلومتر، يُعد الأكثر تقدمًا من نوعه في محاكاة دوران المحيطات والمناخ العالمي. هذا الإنجاز، الذي قاده معهد فيزياء الغلاف الجوي التابع للأكاديمية الصينية للعلوم ومختبر لاوشان، يمثل قفزة نوعية في فهمنا للعمليات المحيطية الدقيقة وتأثيرها على المناخ، مما يعزز قدرات العالم على مواجهة التحديات المناخية المتفاقمة.
لماذا يُعد هذا النموذج ثوريًا؟
تعتمد نماذج المناخ على محاكاة تفاعلات مكونات النظام المناخي – الغلاف الجوي، المحيطات، اليابسة، والجليد – باستخدام شبكات ثلاثية الأبعاد. في الماضي، كانت دقة هذه الشبكات محدودة (بين 25 و200 كيلومتر لكل خلية)، مما جعل محاكاة العمليات الدقيقة مثل الدوامات المحيطية تعتمد على تقديرات تقريبية. يتجاوز نموذج LICOMK++ هذه القيود بدقته الفائقة التي تصل إلى 1 كيلومتر، مما يتيح رصد العمليات على المستوى المتوسط والفرعي، مثل الدوامات والجبهات المحيطية، التي تؤثر بشكل مباشر على نقل الحرارة والمواد عالميًا.
هذه العمليات الدقيقة لها أهمية بالغة في فهم الظواهر المناخية المتطرفة، مثل موجات الحر البحرية، الأعاصير، والأمطار الغزيرة، التي أصبحت أكثر تواترًا بسبب تغير المناخ. يُشبه النموذج إضافة “مجهر” إلى خريطة المحيطات، حيث يرصد التفاصيل الديناميكية التي كانت غائبة عن النماذج السابقة، مما يعزز دقة التنبؤات المناخية ويدعم اتخاذ قرارات مستنيرة في الحوكمة المناخية.
السياق: تحديات تغير المناخ والحاجة إلى نماذج متقدمة
تشير تقارير المنظمات الدولية، مثل NOAA، إلى أن المحيطات تمتص أكثر من 90% من الحرارة الزائدة الناتجة عن الاحتباس الحراري، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر وتغيرات في الأنماط المناخية. ومع ذلك، ظلت القدرة على محاكاة العمليات المحيطية الدقيقة محدودة بسبب قيود الحوسبة ونقص البيانات. على سبيل المثال، تتطلب محاكاة الدوامات المحيطية، التي تتراوح أحجامها بين 10 و100 كيلومتر، دقة عالية لم تكن متاحة في النماذج التقليدية، مما دفع العلماء إلى استخدام تقديرات تقريبية أدت إلى عدم دقة في التنبؤات.
يُعتبر نموذج LICOMK++ استجابة مباشرة لهذه التحديات. من خلال الاستفادة من قوة الحوسبة الفائقة، يتيح النموذج محاكاة مباشرة لهذه العمليات، مما يقلل من الاعتماد على التقديرات ويحسن دقة التنبؤات. كما يدعم النموذج أهداف التنمية المستدامة من خلال توفير بيانات دقيقة لإدارة الموارد البحرية وتخطيط استراتيجيات التكيف مع تغير المناخ.
التأثير العالمي والدور الصيني
يُعد هذا الإنجاز جزءًا من جهود الصين المتزايدة في علوم المحيطات، حيث تستثمر البلاد بكثافة في أبحاث المحيطات العميقة والمناخ. على سبيل المثال، طورت الصين غواصات مأهولة مثل “جياولونغ” التي تصل إلى أعماق 7000 متر، مما يعزز قدرتها على استكشاف المحيطات وجمع البيانات. كما تشارك الصين في مبادرات دولية مثل نظام المراقبة العالمي للمحيطات (GOOS)، مما يعكس التزامها بالتعاون العلمي العالمي.
من منظور عالمي، يُسهم نموذج LICOMK++ في تعزيز الحوكمة المناخية من خلال توفير أداة دقيقة للتنبؤ بالظواهر المناخية المتطرفة، مما يساعد الدول على التخطيط لمواجهة تأثيرات تغير المناخ، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر والتغيرات في أنماط الأمطار. كما يدعم النموذج فهم التفاعلات المعقدة بين المحيطات والغلاف الجوي، وهي عنصر أساسي في نماذج النظام الأرضي الحديثة التي تدمج العمليات الكيميائية والبيولوجية.
التحديات والآفاق المستقبلية
رغم الإنجاز، تواجه نماذج المناخ تحديات مستمرة، مثل الحاجة إلى قوة حوسبة هائلة وتوفر بيانات دقيقة من مناطق نائية مثل المحيطات المفتوحة. يعتمد نجاح نموذج LICOMK++ على دمج بيانات الأرصاد الجوية من الأقمار الصناعية وأجهزة القياس مثل عوامات أرغو، التي توفر بيانات عن درجات الحرارة والملوحة حتى أعماق 2000 متر. كما أن دمج تقنيات التعلم الآلي، كما تفعل مختبرات مثل NOAA، قد يعزز قدرة النموذج على تحليل العمليات المعقدة تحت سطح المحيط.
في المستقبل، يمكن أن يُسهم النموذج في تطوير استراتيجيات للتخفيف من آثار تغير المناخ، مثل حماية التنوع البيولوجي البحري المهدد بالانقراض بسبب الاحترار ونقص الأكسجين. كما يمكن أن يدعم الجهود الدولية لمراقبة التعدين في أعماق البحار وإدارة الموارد البحرية بشكل مستدام، خاصة في ظل الجدل المستمر حول تأثيرات هذه الأنشطة على المناخ.
خاتمة
يمثل نموذج LICOMK++ إنجازًا صينيًا رائدًا يعيد تشكيل فهمنا للمناخ والمحيطات، مقدمًا أداة ثورية لمواجهة تحديات تغير المناخ. من خلال دقته الفائقة وقدرته على محاكاة العمليات المحيطية الدقيقة، يوفر النموذج أملًا جديدًا في تحسين التنبؤات المناخية ودعم التنمية المستدامة.
لكن نجاحه يعتمد على التعاون العلمي العالمي وتحسينات مستمرة في الحوسبة وجمع البيانات. في عالم يواجه تهديدات مناخية متزايدة، يُعد هذا النموذج خطوة حاسمة نحو مستقبل أكثر استدامة وتكيفًا.