إقليم تاونات: صرخة ضد اللاعدالة المجالية وغياب التنمية

في قلب المغرب، يقف إقليم تاونات شاهدًا على تناقضات التنمية ومظهرًا صارخًا لما بات يُعرف بـ”مغرب السرعتين”. إقليمٌ قدم التضحيات الجسام في مقاومة الاستعمار، وساهم بقوة في استكمال الوحدة الترابية، وكان رائدًا في المشاركة السياسية خلال انتخابات 2021، يعيش اليوم تحت وطأة الإقصاء والتهميش. الاحتجاجات والمسيرات التي شهدها الإقليم خلال الشهرين الأخيرين ليست مجرد تعبير عن الغضب، بل هي صرخة مدوية ضد الردة الحقوقية وغياب التنمية بكل أبعادها.

أزمة العطش في إقليم السدود

يُعد إقليم تاونات موطنًا لخمسة من أكبر السدود الوطنية، لكن، وبمفارقة قاسية، يعاني سكانه من أزمة عطش خانقة. الماء، الذي يُفترض أن يكون مصدر حياة وتنمية، يغيب عن الحنفيات بينما تُستغل موارد الإقليم لصالح مناطق أخرى. هذا الواقع ليس مجرد إخفاق إداري، بل هو تجسيد للاعدالة المجالية التي تجعل من تاونات رمزًا للتهميش.

تثمين القنب الهندي: إقصاء الفلاح الصغير

كان يُفترض أن يكون تثمين وتقنين القنب الهندي فرصة لتحسين أوضاع الفلاحين الصغار في الإقليم، لكن ما حدث هو العكس. استفاد من هذه السلسلة أشخاص لا علاقة لهم بزراعة القنب، بينما تم تهميش المنتجين الحقيقيين في عملية تكشف عن تواطؤ مكشوف. هذا الإقصاء ليس فقط ظلمًا اقتصاديًا، بل هو ضربة للثقة في قدرة الدولة على تحقيق العدالة الاجتماعية.

بنية تحتية متداعية وفلاحة معاشية

تظل الطرق في إقليم تاونات، والتي يعود معظمها إلى الحقبة الاستعمارية، في حالة يرثى لها، مما يعيق التنمية ويعزل السكان. الفلاحة، رغم كونها العمود الفقري للاقتصاد المحلي، تظل معاشية، بعيدة عن التحديث أو الاستفادة من المخططات الحكومية المتعاقبة. هذه المخططات، التي كثيرًا ما تُروَّج كحلول للتنمية، تبدو وكأنها “ممنوعة من الصرف” في تاونات، مما يعمق الفجوة بين الوعود الرسمية والواقع المرير.

السياحة والصحة: فرص ضائعة وخدمات منهارة

يتمتع إقليم تاونات بمؤهلات سياحية إيكولوجية بمعايير دولية، لكن هذه الثروة تبقى حبيسة المحاولات الفردية المناضلة، في غياب أي دعم استثماري أو تحفيز بنكي. أما قطاع الصحة، فهو كارثة بكل المقاييس. المراكز الاستشفائية، القليلة أصلاً، تحولت إلى مجرد غرف لتسجيل المواعيد وتحويل الحالات إلى المستشفى الجامعي بفاس، مما يجعل الحق في الصحة حلمًا بعيد المنال.

نخب منقسمة وحكامة متعثرة

نخب الإقليم تعاني من انقسامات حادة. جزء منها يسعى لإعادة تجربة “جمعيات السهول والهضاب”، متمسكًا بنهج يُحابي المصالح الضيقة بدلاً من خدمة الصالح العالم: أما الجزء الثاني، فهو منقطع الصلة إلا بصلة الرحم والزيتون، بينما يرى البعض الآخر في سكان الإقليم مجرد خزان انتخابي. وهناك جزء ثالث، وإن كان محدودًا، يحمل هموم المواطنين، لكنه مشتت وغير موحد. أما الحكامة المحلية، فهي تعاني من ضعف النجاعة والمردودية، مع مسؤولين ترابيين يستمرون في مناصبهم لسنوات دون إضافة قيمة تذكر، وجماعات ترابية تفتقر إلى الكفاءة والقوة الاقتراحية.

منع الاحتجاجات: انتهاك للحقوق الدستورية

قمة الردة الحقوقية تتجلى في منع الوقفات الاحتجاجية، مثل الوقفة المزمعة يوم الإثنين 25 غشت 2025، للمطالبة بالحق في الصحة، بمبررات غير دستورية تتناقض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. هذا المنع ليس مجرد إجراء إداري، بل هو اعتداء على الحقوق الأساسية للمواطنين في التعبير عن مطالبهم المشروعة.

مطالب عاجلة من أجل العدالة المجالية

إقليم تاونات، الذي قدم المئات من الشهداء في سبيل الوحدة الترابية، وكان رائدًا في النضال الديمقراطي، يستحق أكثر من هذا الواقع المؤلم. نطالب بما يلي:

  1. تفعيل العدالة المجالية: تخصيص استثمارات حقيقية لتطوير البنية التحتية، وتوفير الماء الصالح للشرب، ودعم الفلاحة والسياحة.
  2. إشراك الفلاحين الصغار: ضمان استفادة الفلاحين من سلسلة القيمة لتقنين القنب الهندي.
  3. تعزيز الحقوق الدستورية: احترام الحق في الاحتجاج والتعبير، وإلغاء القرارات التعسفية التي تمنع الوقفات الاحتجاجية.
  4. إصلاح الحكامة المحلية: تعيين مسؤولين أكفاء، وتمكين الجماعات الترابية من أدوات النجاح والمبادرة.
  5. دعم النخب الجديدة: تشجيع النخب الصاعدة بدلاً من محاربتها، لتكون قوة اقتراحية للتنمية.

خاتمة:

وطنٌ يستحق العدالةإقليم تاونات ليس مجرد بقعة جغرافية، بل هو جزء حي من وطننا الذي قدم التضحيات من أجل الحرية والكرامة. إن استمرار التهميش والإقصاء يشكل خيانة لتاريخ هذا الإقليم ونضالاته. إننا نطالب بتحقيق العدالة المجالية والاجتماعية، وإعادة الاعتبار لإقليم يعاني من مغرب السرعتين. اللهم احفظ وطننا، وألهم القائمين على الشأن العام الجرأة لإصلاح هذا الواقع المرير.

عادل راشدي – استاذ باحث بجامعة محمد الاول بوجدة
السبت 23 غشت 2025

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!