إدريس الأزمي: “العدالة والتنمية” تجاوز “سؤال الجدوى” بالمرجعية والجدية.. ويدعو إلى مصارحة جريئة لتجاوز ملف الحسيمة

شارك الدكتور إدريس الأزمي الإدريسي، النائب الأول للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، في ندوة “حزب العدالة والتنمية وسؤال المستقبل”، مقدماً تحليلاً يركز على ضرورة الانتقال من التقييم إلى الواجب، ومحدداً المزايا النسبية الداخلية التي ضمنت صمود الحزب واستمراره أمام تحديات “النيوليبرالية المتغولة” و”العلو الصهيوني”.
المحور الأول: الانتقال من سؤال الجدوى إلى سؤال الواجب
بدأ السيد الأزمي بالتعبير عن تفاؤله، معتبراً أن طرح سؤال المستقبل من قِبل الشبيبة يعني أن الحزب يعيش في مرحلة “تعاف حقيقي” بعد نتائج انتخابات 2021. وشدد على أن المستقبل مرهون باستحضار الماضي والحاضر، لكنه دعا بشكل خاص إلى تجاوز “جب سؤال الجدوى” (الذي يسائل العائد والفائدة من العمل السياسي والمشاركة)، والانطلاق نحو “سؤال الواجب”.
1. استيعاب الصمود: أشار الأزمي إلى أن الحزب الذي أريد له التواري بعد “نكسة انتخابات 2021”، حيث هبط من 125 مقعداً إلى 13، كان محكوماً عليه بالفناء “بالمنطق المادي” لو لم يمتلك أسس الانطلاقة الجديدة.
2. سياق دولي معقد: دعا إلى استحضار السياق الدولي، مؤكداً أن الحزب لا يشتغل في جزيرة. وحدد الأزمي تهديداً ثلاثياً:
◦ العلو والاستعلاء الصهيوني: بدعم أمريكي، و”عينه على المنطقة برمتها”. وأكد أن هذا الكيان “ورم سرطاني” لا مكان له في الأمة.
◦ المقاربة النيوليبرالية: التي وصفها بأنها مقاربة “تحتقر الشعوب”، وترى أن الشعوب قاصرة ويجب توجيهها بالثقافة والمال والإعلام. واعتبر أن النيوليبرالية تعاني في دولها (مستشهداً بما يحدث في غزة) [45، 46].
◦ التفسخ القيمي: المتمثل في نزعة النيوليبرالية التي “تغير خلق الله وتغير قيم المجتمعات”.
المحور الثاني: المزايا النسبية الثلاث لضمان الاستمرارية
لتحديد سر استمرار الحزب و”وحدته” رغم كل الصعوبات والانتكاسات، ركز الأزمي على ثلاث مزايا نسبية جوهرية (أو ما أسماه “ليزافونطاج كومباراتيف”) التي يجب على الشباب التشبع بها:
1. المرجعية الإسلامية كمحرك وطني ونضالي:
◦ ليست مجرد عبادات (حيث يجتمع المغاربة)، بل هي “القوة الدافعة” للاهتمام بـ “شأن وطننا” و**”القرب من شعبنا”**.
◦ تتجلى المرجعية في الدفاع عن الوحدة الترابية (قضية الصحراء)، ودعم قضايا الأمة (القضية الفلسطينية)، و**”دعم المقاومة الشريفة”، و“مناهضة التطبيع والدعوة لقطع كل العلاقات مع هذا الكيان الصهيوني”**.
◦ أكد أن هذه المرجعية هي مرجعية المجتمع والدولة، وأن المغرب صمام أمانه هي “إمارة المؤمنين”.
2. الديمقراطية الداخلية والعمل المؤسساتي:
◦ تضمن هذه الميزة أن القرارات تتخذ بناءً على التداول والتشاور، واختيار القيادة يتم بـ “التصويت السري بعد التجريح وبعد التداول”.
◦ الحزب لا يعتمد “نظام عسكري” أو نتائج معروفة مسبقاً، وهذا ما يجعل الإنسان يشعر بالراحة والاحترام. ولو كان هذا الأمر غائباً، ما كان الحزب ليصمد في أي من المراحل الصعبة.
3. الجدية مقابل ادعاء الكفاءات:
◦ الجدية هي الأساس، حيث أن المناضلين والمسؤولين داخل الحزب “يجتهدون والكفاءة تأتي بالعمل”.
◦ أكد أن وزراء الحزب ورؤساء جهاته وجماعاته كانوا في المستوى، وأن الحزب أصبح له رصيد في الدربة والأداء التدبيري والمالي، ولا يمكن أن يبخل به على وطنه.
◦ الجدية تعني أن الفعل السياسي لا يختبئ وراء القرارات التقنية، بل يكون في التقابل مع المواطنين، والسؤال والجواب، والإحساس والشعور بهم.
المحور الثالث: التوجهات الاستراتيجية ومحاذير المستقبل
أشار الأزمي إلى أن الحزب يجب أن يحافظ على موقعه كنموذج، لكن يجب أن يتجنب “منطق الاستعلاء”. ثم حدد التوجهات التي تشكل الإطار العام لنضال الحزب المستقبلي:
1. فصل النموذج عن الموقع السياسي: حذّر من ربط النموذج (الأخلاقي والمنهجي) بـ “الموقع بالعدد بالترتيب”. فالانتخابات مجرد “آلية” تتدخل فيها “السياقات والظرفيات”. الحزب يجب أن يكون الأول في المرجعية والديمقراطية والجدية، بغض النظر عن ترتيبه.
2. التركيز على الأطروحة المركزية للنضال: وهي “مصداقية الاختيار الديمقراطي وكرامة المواطن”. هذا يتطلب نضالاً لا يبالي بالـ “المثبطات” (كعدم توفير قاعة للاجتماع).
3. مفهوم كرامة المواطن: تعني الديمقراطية التي تنشئ التنمية، وتراعي التوازن المجالي وتوزيع الخدمات، لكي لا تكون الملاعب فقط في الرباط والدار البيضاء والمدن الأخرى تتفرج. وتشمل كرامة المواطن في المستشفى والمدرسة وأمام السلطة.
4. صيانه استقلالية القرار الحزبي: أكد أن المناضلين والمؤسسات لا ينبغي أن يتنازلوا عن استقلال القرار، لأن “الذا دخل معك الغاشي ما بقت لا مرجعية لا ديمقراطية”. الحزب هو الذي يُقدّر موقفه ولا ينتظر التوجيهات من الخارج.
5. توسيع دائرة التعاون: يجب العمل على توسيع دائرة التعاون مع كل الأحزاب التي “قلبها على البلاد ونازية”، مشيراً إلى أن الحزب يجد نفسه حالياً في مواجهة أحزاب أخرى تسعى لعرقلة المسار الديمقراطي، وليس فقط في مواجهة الداخلية.
المحور الرابع: الردود والتفاعلات مع أسئلة الجمهور
في تفاعله مع أسئلة الشباب، قدم الأزمي توضيحات حاسمة حول ملفات حساسة وتاريخية:
• ملف الحسيمة و”إغلاق الجراح”: رداً على المقارنة التي أثارت استفزازاً، أكد الأزمي أن المقاربة المطلوبة هي أن تعالج الأحزاب الوطنية هذه الإشكاليات “بلطف” و “لا داعية لأن ننكئ الجراح“. ودعا إلى النظر إلى المصلحة النهائية وهي “اغلاق هذا الملف نهائياً”، مؤكداً أن السماح لنزار الزفزافي بحضور جنازة والده (رحمه الله) هي “إشارة إيجابية” يجب أن تستمر بـ “أعمال العفو”.
• الإنجازات الاقتصادية (إصلاح المقاصة): نفى ادعاء أن الحزب لم يقدم سوى “الاستقرار”. وأشار إلى أن إصلاح المقاصة، الذي كان يتجنبه الجميع، حقق ثلاث مزايا كبرى:
◦ استعادة التوازنات المالية (تجاوز العجز الذي وصل 7.6% من الناتج الداخلي الخام في 2012).
◦ استمرار الاستثمارات العمومية في قطاعات الصحة والتعليم والطرق.
◦ الاهتمام بـ الفئات الهشة، مما أدى إلى برامج مثل دعم الأرامل والتعميم الجزئي للتغطية الصحية.
• الديمقراطية والزعامات: رداً على قلق الشباب من “الزعامات”، أكد الأزمي أن الديمقراطية الداخلية للحزب ليست “ديمقراطية أثينية” (التي تتخوف من الزعامات)، بل هي ديمقراطية مؤسساتية. ورفض استيراد أسئلة خارجية أو أحكام جاهزة حول “الزعامات”.
• العزوف السياسي: دعا الأزمي إلى عدم انتظار ضمانات من الدولة، مشيراً إلى أن العزوف يخدم النموذج الانتخابي الريعي للأعيان. وطالب الشبيبة بالقيام بواجبها في التسجيل والتوعية، لأن نموذج الأعيان لديه “الشكارة جاهزة” واللوائح مجهزة.
• التعامل مع الحكومة الحالية: أكد أن الحزب يواجه الحكومة في الميدان، وأن الحكومة الحالية “فقدت شرعيتها” بسبب ملفات الفساد وتضارب المصالح التي كشفها الحزب.