إدانة رئيس جماعة وجدة بالحبس الموقوف: جدل سياسي وتداعيات على المشهد المحلي والوطني

وجدة – 29 أبريل 2025
في تطور جديد يُثير الجدل في المشهد السياسي المغربي، أصدرت المحكمة الابتدائية بوجدة حكماً بإدانة رئيس المجلس الجماعي للمدينة، المنتمي إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، بسنة حبس موقوفة التنفيذ، مع غرامة مالية، بتهمة التزوير واستعماله في الانتخابات الجماعية لعام 2021.

القضية، التي طال انتظار حسمها بعد عدة تأجيلات، تُعيد فتح النقاش حول نزاهة العملية الانتخابية ومدى فعالية الأحكام القضائية في ردع المخالفات السياسية.

تفاصيل التزوير الانتخابي

تعود جذور القضية إلى الانتخابات الجماعية التي جرت في 8 سبتمبر 2021، حيث ترشح محمد عزاوي وكيلاً للائحة حزب التجمع الوطني للأحرار، وفاز برئاسة المجلس الجماعي لوجدة.

إلا أن المسار الانتخابي لم يخلُ من الجدل، إذ تقدم أحد أعضاء اللائحة بشكاية إلى السلطات، متهماً عزاوي وشخصين آخرين (مستشار جماعي وموظف بالجماعة) بتزوير وثائق رسمية مقدمة إلى السلطات المحلية قبل انطلاق الحملة الانتخابية.

وفقاً لمصادر إعلامية، ركزت التحقيقات على وثائق مفبركة تتعلق بتسجيل المرشحين أو إثباتات إدارية، بهدف تسهيل فوز لائحة الحزب في دائرة انتخابية محددة.

المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني أجرت تحريات دقيقة، أسفرت عن جمع أدلة مادية، بما في ذلك محررات مزورة، أدت إلى توجيه التهم للمتهمين.

خلال المحاكمة، التي تأجلت نحو 20 جلسة بناءً على طلب هيئة الدفاع، دافع عزاوي عن نفسه مدعياً أن القضية “مسيسة” وتهدف إلى تشويه سمعته، لكن المحكمة أصدرت حكمها بإدانته بعقوبة سنة حبس موقوفة التنفيذ وغرامة مالية.

سياق الانتخابات 2021

جرت انتخابات 2021 في ظل ظروف استثنائية بسبب جائحة كوفيد-19، لكنها شهدت مقاطعة قوية بنسبة تصويت بلغت 50.35% وطنيا وفي وجدة لم تتجاوز نسبة التصويت 25%، وهي الادنى وطنيا. كانت هذه الانتخابات الأولى التي جرت في يوم واحد لتجديد المجالس الجماعية، الجهوية، والتشريعية، بهدف زيادة إقبال الناخبين.

في وجدة، كما في باقي المدن، احتدم التنافس بين الأحزاب، خاصة بين التجمع الوطني للأحرار، الذي تصدر الانتخابات وطنياً بـ102 مقعد في مجلس النواب، وحزب العدالة والتنمية، الذي مني بهزيمة تاريخية بحصوله على 13 مقعداً فقط.

لكن الانتخابات لم تخلُ من الجدل، إذ وثقت تقارير عدة مخالفات، بما في ذلك اتهامات بشراء الأصوات والتلاعب بالوثائق. حزب العدالة والتنمية، على سبيل المثال، ندد بـ”خروقات خطيرة” أثناء التصويت، داعياً السلطات إلى التدخل لضمان النزاهة.

قضية وجدة تُعد واحدة من الحالات التي وصلت إلى القضاء، مما يُبرز استمرار مشكلة التزوير كتحدي أمام الديمقراطية المحلية.

ردود فعل متباينة

أثار الحكم ردود فعل متباينة في أوساط سكان وجدة. فمن جهة، رأى نشطاء سياسيون أن إدانة رئيس الجماعة خطوة إيجابية تؤكد استقلالية القضاء وسعيه لمحاسبة المسؤولين، لكن العقوبة الموقوفة قللت من وقع الحكم.

أحد المواطنين علق قائلاً: “سنة موقوفة التنفيذ تعني أن لا شيء تغير، سيظل في منصبه كأن شيئاً لم يكن.” في المقابل، دافع أنصار الحزب عن رئيس الجماعة، معتبرين القضية “مسيسة” تهدف إلى تصفية الحسابات السياسية في مدينة تشهد تنافساً محموماً بين الأحزاب.

من جانبها، أثارت القضية نقاشاً حول فعالية العقوبات الموقوفة في مكافحة الفساد الانتخابي. يرى مراقبون أن مثل هذه الأحكام قد تُشجع على تكرار المخالفات، خاصة في ظل غياب عقوبات رادعة مثل العزل من المناصب العمومية أو الحبس النافذ. وفي هذا السياق، دعا البعض إلى تعديل القانون الجنائي المغربي لإلغاء العقوبات الموقوفة في قضايا التزوير الانتخابي، لضمان نزاهة العملية الديمقراطية.

تأثير الحكم على السياسة المحلية

في وجدة، عاصمة الجهة الشرقية، أدت القضية إلى تعميق الانقسامات داخل المجلس الجماعي، الذي يعاني أصلاً من توترات بين الأغلبية والمعارضة.

حزب العدالة والتنمية، أبرز أحزاب المعارضة محلياً، دعا إلى حل المجلس الجماعي، معتبراً أن “التسيير المتعثر” والاتهامات بالفساد يُعيقان تنمية المدينة. وفي بيان له، أشار الحزب إلى أن “الوضع الكارثي للمجلس يتطلب تدخلاً عاجلاً لإنقاذ وجدة من التدهور.” معتبراً أن “سوء التسيير والاتهامات بالفساد” يُعيقان تنمية وجدة، التي تُعاني من نقص في البنية التحتية، ضعف الخدمات العمومية، وشعور بالتهميش مقارنة بمدن أخرى. في المقابل، دافع أنصار التجمع الوطني للأحرار عن عزاوي، مؤكدين أن الحكم “غير نهائي” وأن القضية تهدف إلى “تصفية حسابات سياسية” في سياق التنافس الحاد على الجهة الشرقية.

إدانة عزاوي عززت حالة الاستقطاب داخل المجلس الجماعي، الذي يعاني من توقف شبه كامل بسبب الخلافات بين الأغلبية (التجمع الوطني للأحرار وحلفاؤه) والمعارضة (خاصة العدالة والتنمية).

الحكم، رغم كونه موقوف التنفيذ، أثار انتقادات حادة من سكان المدينة، الذين يرون أن بقاء رئيس مدان في منصبه يُضعف مصداقية المجلس. أحد النشطاء المحليين صرح: “إدانة رئيس الجماعة دون عزله تُرسل رسالة سلبية للمواطنين، وكأن التزوير جريمة يمكن التغاضي عنها.”

تكشف القضية عن أزمة حوكمة أعمق في وجدة، حيث تتراكم اتهامات الفساد الإداري والتلاعب في العقود العمومية. هذا الواقع يُفاقم إحباط السكان، الذين يطالبون بتدخل وزارة الداخلية لفرض إصلاحات أو حل المجلس، كما حدث في حالات مماثلة مثل جماعة أورير عام 2024.

تحديات وجدة: مدينة تحت المجهر

تُعد وجدة، عاصمة الجهة الشرقية، إحدى المدن المغربية التي تشهد ديناميات سياسية معقدة، حيث تتقاطع المنافسات الحزبية مع قضايا التنمية المحلية. خلال السنوات الأخيرة، واجهت المدينة اتهامات متكررة بالفساد الإداري والتلاعب في الانتخابات، مما زاد من إحباط السكان الذين يشكون من تراجع جودة الخدمات العمومية. أحد النشطاء المحليين قال: “وجدة مدينة غنية بتاريخها وثقافتها، لكنها تعاني من سوء التسيير والصراعات السياسية التي تُعيق تقدمها.”

تتزامن هذه القضية مع فضائح أخرى في المنطقة، مثل اتهامات سابقة بتزوير عقاري واستغلال النفوذ، مما يعزز الانطباع بأن المدينة تواجه أزمة حوكمة. وفي هذا الإطار، يرى محللون أن إدانة رئيس الجماعة قد تكون فرصة لإعادة تقييم آليات المحاسبة والشفافية في تسيير الشأن المحلي.

تداعيات على المستوى الوطني

على الصعيد الوطني، تأتي إدانة رئيس جماعة وجدة في سياق سلسلة من القضايا التي طالت منتخبين من حزب التجمع الوطني للأحرار، مما يُلقي بظلال من الشك على صورة الحزب، الذي يقود الحكومة بقيادة عزيز أخنوش.

خلال السنوات الأخيرة، واجه الحزب اتهامات مشابهة في مدن أخرى، مثل إدانة رئيس جماعة أجدير بتازة بست سنوات نافذة عام 2020، وإدانة رئيس جماعة كلميم بخمس سنوات في قضايا فساد. هذه القضايا تُعزز الانطباع بأن الفساد الانتخابي والإداري يُشكل تحدياً هيكلياً في المغرب.

الحكم الموقوف، الذي يُعتبره البعض بمثابة “تبرئة فعلية”، أعاد إحياء النقاش حول فعالية العقوبات في مكافحة الفساد. محللون سياسيون اعتبروا أن الأحكام الموقوفة، التي تُطبق غالباً في قضايا الفساد والتزوير، قد تُشجع على تكرار المخالفات بدلاً من ردعها. في تعليق على منصة X، كتب أحد المستخدمين: “الحبس الموقوف في قضايا التزوير يعني أن القانون لا يُطبق بجدية. يجب تعديل القانون الجنائي لفرض أحكام نافذة أو العزل من المناصب.” هذا الرأي يعكس إحباطاً شعبياً متزايداً من الإفلات من العقاب.

كما أن القضية تُسلط الضوء على دور وزارة الداخلية، المسؤولة عن الإشراف على الجماعات الترابية. بعض المنتقدين يرون أن غياب تدخل حاسم من الوزارة في مثل هذه القضايا يُعزز مناخ التراخي، بينما يرى آخرون أن إجراءات مثل توقيف رؤساء جماعات (كما حدث في أورير عام 2024) تُظهر التزاماً متزايداً بربط المسؤولية بالمحاسبة.

تحديات الحوكمة ومستقبل الثقة السياسية

تُبرز قضية وجدة تحديات أساسية تواجه الحوكمة المحلية في المغرب، بما في ذلك ضعف آليات الرقابة على الانتخابات، ومحدودية المحاسبة القضائية، والصراعات الحزبية التي تُعيق التنمية.

وفقاً لتقارير إعلامية، فإن مجلس جماعة وجدة يُعاني من “توقف شبه كامل” بسبب الخلافات السياسية، مما يُفاقم من تدهور أوضاع المدينة اقتصادياً واجتماعياً.

على المستوى الوطني، تُشكل مثل هذه القضايا تهديداً للثقة في النظام السياسي، خاصة مع اقتراب الانتخابات التشريعية المقبلة. إذا استمرت الأحكام الموقوفة في الطغيان على قضايا الفساد، فقد يتزايد شعور المواطنين بالإحباط، مما يُضعف المشاركة السياسية ويُعزز خطابات المعارضة التي تنتقد “الإفلات من العقاب.” في هذا السياق، دعا حزب العدالة والتنمية إلى إصلاحات قانونية تشمل فرض عقوبات أكثر صرامة، مثل العزل التلقائي للمنتخبين المدانين، لاستعادة ثقة المواطنين.

نعتد في ختام هذا المقال أن قضية التزوير الانتخابي في وجدة تُظهر تعقيدات الديمقراطية المحلية في المغرب، حيث تتقاطع المنافسات الحزبية مع ضعف الرقابة وسوء الحوكمة. إدانة رئيس الجماعة بعقوبة موقوفة، رغم أهميتها كخطوة نحو المحاسبة، لم تُرضِ تطلعات المواطنين الذين يطالبون بعقوبات رادعة.

محلياً، تُفاقم القضية أزمة وجدة، بينما تُثير وطنياً تساؤلات حول قدرة النظام على استعادة ثقة المواطنين. مع استمرار الجدل، تبقى الحاجة إلى إصلاحات قانونية ومؤسساتية ملحة لضمان نزاهة الانتخابات وتعزيز الثقة في المسار الديمقراطي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى