“أوتوسكوبيك” يثير الدموع في مهرجان وجدة للمونودراما: صراع “عبد الله” النفسي بين عنف التربية وتحرير الذات

وجدة – جيل 24 (تغطية خاصة):

شهد مهرجان وجدة الألكيَه للمونودراما نقاشاً عميقاً وتفاعلاً جماهيرياً كبيراً مع العرض المسرحي المتميز “أوتوسكوبيك” (Autoscopic)، والذي قدمته جمعية ونادي محترف المسرح القادمة من مدينة فاس. هذا العرض، الذي صُنِّف على أنه “سيكوراما”، نجح في اختراق الجدران النفسية للمتفرجين، حيث أكد مخرج ومؤلف المسرحية أن ثلاثة من الشباب عانقوه بعد نهاية العرض وأخبروه بأنهم “بكوا في العرض”، وهو أثر يعتز به الإنسان كمؤلف.

التربية وعلاقتها بالصحة النفسية: جوهر “أوتوسكوبيك”

تعالج مسرحية “أوتوسكوبيك”، التي ألفها وأخرجها محمد الوارثي ومثل فيها محمد أسمان، موضوعاً “بالغ الأهمية” وهو التربية وعلاقتها بالصحة النفسية.

ويركز العرض على شخصية “عبد الله”، التي تمثل نموذجاً للشباب الذي يواجه الإحباط في طموحاته بسبب عدم دعم الأهل لمساره الدراسي أو الفني. وتتناول المسرحية المراحل التي عاشتها الشخصية:

1. مرحلة الطفولة: تشكلت شخصية عبد الله في هذه المرحلة متأثرة بـ القمع والحُكرة (العنف النفسي)، والمنع من التعبير بعبارات مثل “سكت أنت باغي صغير مادويش مازال لا فاهم والو”.

2. مرحلة الشباب: يعيش “عبد الله” قمعاً مشابهاً حتى وهو في سن الشباب (في الثلاثينات) حين يفترض به أن يختار مستقبله.

3. الصراع الحديث: تعبر المسرحية عن الصراع الذي يعيشه معظم الشباب مع والديهم، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بإكمال الدراسة في الدول الأوروبية.

الممثل محمد أسمان أشار إلى أن العرض ليس مجرد تجربة فنية، بل نتاج “الحب” و**”الشغف”** و**”الروح المرحة”** التي جمعت الفريق.

الجذور النظرية: فرويد وأدلر وإنهاء الاستعمار بالعنف

لم يكن العرض مجرد قصة اجتماعية، بل اعتمد على أسس نظرية عميقة في علم النفس، تم مناقشتها في الجلسة المفتوحة بعد العرض:

الربط بين جيلين: أوضح النقاش أن العمل يربط بين فرويد، الذي اشتغل على البنية التكوينية للطفل، وألفريد أدلر، الذي يمثل “الجيل الجديد” كونه تلميذاً “مناهضاً” لأستاذه ويقدم تصوراً علاجياً جديداً.

ترسيخ العقد النفسية: اعتمد الكاتب على نظريات فرويد التي تتحدث عن “ترسيخ العقد النفسية عند الطفل عبر التربية بالعنف”.

إنهاء الاستعمار النفسي: استلهم الكاتب النظرية النفسية الجديدة المسماة “Decolonialisme et la Violence” (إنهاء الاستعمار والعنف)، أي التساؤل عن “كيف أتخلص من هذا الاستعمار بالعنف؟”.

استغرقت كتابة النص ستة أشهر من الكتابة والمراجعة. ولفهم حقبة الستينات والمشاكل التي عاشها الجيل السابق، قام الممثل بإجراء “جلسة مع الأب” لتوظيف تلك المعلومات في شخصية عبد الله.

تقنية الأداء والسينوغرافيا

لعب الممثل محمد أسمان الشخصية معتمداً على “صوتين” (Deux Voix). الأول هو صوت الشاب، والثاني يعكس شخصية “حاس براسه” في سن كبيرة ويعكس العجز وكثرة العصبية، مما يجعله “مدمج مع الروح” لتلك الشخصية.

أما سينوغرافيا العمل، فقد كانت بسيطة: “ديكور بسيط، كرسي على شكل كنابي ديال عيادة الطبيب النفسي”. وقد عكست السينوغرافيا حالة “عبد الله” المولع بعلم النفس والكتابة؛ فبسبب عجزه عن قول ما يريد، كان “يظهر وتقوّس” من كثرة انحنائه على المكتب للكتابة.

وأشار المحاور في الجلسة المفتوحة إلى أن البنية الاستشكالية للنقاش (الإخراج، الممثل، السينوغرافيا، الموضوع) تفضل أن يسبقها تقديم “ورقة نقدية أو قراءة مبدئية” للعرض من قبل المختصين، بدلاً من أن يأتي الكاتب ليصف عرضه بنفسه.

ويُشير المخرج الوارثي إلى أن نجاح المسرحية يعود إلى أن كل شاب يشاهدها “غادي يلقى مثلا شخص آخر كيجسد ليه بحال زوين كيهضر لي على راسه”، فصراعات “عبد الله” تنطبق على الكثيرين في مجالات وتطلعات مختلفة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!