شجار ترامب-زيلينسكي… شجار استراتيجيات عميقة حول الحرب في أوكرانيا والدور الأمريكي في العالم

عبدالعالي الجابري

في محاولة لتحليل سريع للشجار بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يمكننا القول أن هذا الصراع يمكن النظر اليه من خلال عدة أبعاد: السياق التاريخي، الدوافع السياسية، الديناميكيات الشخصية، والتداعيات الدولية. بناءً على المعلومات المتاحة حتى اليوم، 1 مارس 2025…

1. السياق التاريخي والعلاقة السابقة

العلاقة بين ترامب وزيلينسكي كانت متوترة منذ وقت سابق، لا سيما بسبب الأحداث التي أدت إلى محاكمة “عزل ترامب” الأولى في 2019. في ذلك الوقت، ضغط ترامب على زيلينسكي للتحقيق في قضية جو بايدن وابنه هانتر لكن الاخير لم يحرك ساكنا في الموضوع، مما أثار جدلاً واسعاً وأضر بالثقة بين الزعيمين.

هذا التاريخ يشكل خلفية أساسية للتوترات الحالية، حيث يبدو أن ترامب يحمل ضغينة شخصية تجاه زيلينسكي، بينما يرى الأخير في ترامب تهديداً لدعم الولايات المتحدة لأوكرانيا في مواجهة روسيا.

2. الدوافع السياسية

  • ترامب: منذ عودته إلى السلطة في 2025، يسعى ترامب إلى تنفيذ وعوده الانتخابية بإنهاء الدعم المالي والعسكري المكلف لأوكرانيا، وهو ما يتماشى مع رؤيته “أمريكا أولاً”. هجومه على زيلينسكي، بما في ذلك وصفه بـ”الديكتاتور” وانتقاده لعدم إجراء انتخابات، يعكس محاولته لتبرير تقليص الدعم الأمريكي وإلقاء اللوم على زيلينسكي في استمرار الحرب. كما أن اقتراحه لاستخدام المعادن الأوكرانية كجزء من صفقة لاسترداد الأموال الأمريكية يظهر نهجاً تجارياً في السياسة الخارجية.
  • زيلينسكي: بالنسبة لزيلينسكي، الدعم الأمريكي هو شريان حياة لبلاده في مواجهة روسيا. تصريحاته الحادة ضد ترامب، مثل اتهامه بالعيش في “فقاعة تضليل روسية”، تنبع من خوفه من أن يترك ترامب أوكرانيا وحيدة أمام ضغوط بوتين. كما أن شعبيته المتدنية داخلياً تضعه في موقف ضعيف، مما يدفعه للدفاع عن شرعيته بقوة.
  • ولم يكن دونالد ترامب هو الذي انقلب على نظام كييف، كما يُقنعوننا، بل كان فولوديمير زيلينسكي هو من أمر بقصف المصالح الأميركية، مما تسبب في أضرار جسيمة لشركتي شيفرون وإكسون موبيل.
  • تملك شركة إيني الإيطالية 2% ​​من أسهم اتحاد خط أنابيب بحر قزوين ، تمتلك شركة خط أنابيب بحر قزوين 7.5%، وهي شركة تابعة لشركة موبيل الأمريكية تمتلك شركة خط أنابيب بحر قزوين 15%، وهي شركة تابعة لشركة شيفرون الأمريكية. علاوة على ذلك، يوفر هذا الخط معظم النفط المستهلك في إسرائيل. كما أن مجلس الأمن القومي والدفاع في أوكرانيا سبق له ان اعلن الحرب على إيطاليا والولايات المتحدة.
  • 23 فبراير 2025 أعلن “الديكتاتور غير المنتخب” فلوديمير زيلينسكي، في مؤتمر صحفي في كييف، أنه مستعد للاستقالة إذا سمح لأوكرانيا بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وهو ما يعني عدم الأخذ في الاعتبار موقف الولايات المتحدة. وأكد أن كييف لن تقبل بأي شيء لم تتفاوض عليه بنفسها مع الولايات المتحدة وروسيا. مرة أخرى، من الواضح أن هذا لن يحدث: الولايات المتحدة وروسيا ستتخذان القرار معًا، والاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، مهما كان ما يقولونه، سوف يمتثلون لرغباتهما.
  • 24 فبراير 2025 أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتن مقابلة مع القناة الأولى الروسية. وقال إن روسيا لديها معادن نادرة أكثر بكثير من تلك الموجودة في أوكرانيا، وإن موسكو “مستعدة للعمل مع شركائنا الأجانب، بما في ذلك الولايات المتحدة”، لتطوير هذه الرواسب. وبعبارة أخرى، إذا حل السلام، فلن تتمكن واشنطن من استغلال المعادن النادرة في أوكرانيا، لأنها غير موجودة هناك، ولكنها قد تفعل ذلك في روسيا نفسها.
  • ومن البيت الأبيض، شارك عبر الفيديو في اجتماع مجموعة السبع الذي عقد في كييف حول الرئيس غير المنتخب، فولوديمير زيلينسكي وجاستن ترودو (رئيس الوزراء الكندي)، وأورسولا فون دير لاين (رئيسة المفوضية الأوروبية) وأنتونيو كوستا (رئيس المجلس الأوروبي). أولاف شولتز (المستشار الألماني)، كير ستارمر (رئيس الوزراء البريطاني)، جورجيا ميلوني (رئيسة الوزراء الإيطالية)، شيجيرو إيشيبا (رئيس الوزراء الياباني) انضموا إلينا عبر الفيديو. وحضر اللقاء رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الذي كان موجودا أيضا في كييف. وأعلن جميع المشاركين، بمن فيهم إيمانويل ماكرون، ولاءهم للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقبولهم قراراته.

3. الديناميكيات الشخصية

الشجار الأخير في البيت الأبيض (28 فبراير 2025) يكشف عن تصادم شخصي واضح. ترامب، بأسلوبه المباشر والاستفزازي، وجه انتقادات لاذعة لزيلينسكي، مثل قوله “تصريحاتك تفتقر للاحترام” و”لولا أمريكا لسقطت في أسبوعين”، مما يعكس رغبته في فرض الهيمنة. في المقابل، رد زيلينسكي بغضب، معتبراً اللقاء إهانة شخصية (“استقبلتني لتهينني”)، مما يظهر أن العلاقة بينهما تجاوزت الحدود الدبلوماسية إلى صراع شخصي محتدم.

4. التداعيات الدولية

  • العلاقات الأمريكية-الأوكرانية: الشجار يهدد بقطيعة كبيرة بين واشنطن وكييف. إذا نفذ ترامب تهديده بالانسحاب من الدعم، فقد يضعف موقف أوكرانيا في الحرب ويعزز نفوذ روسيا.
  • ردود الفعل الأوروبية: قادة أوروبيون مثل المستشار الألماني أولاف شولتز ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر دافعوا عن زيلينسكي، معتبرين هجوم ترامب “خاطئاً وخطيراً”. هذا قد يدفع أوروبا لتعزيز دعمها لأوكرانيا كبديل عن أمريكا، لكن بقدرات محدودة.
  • موقف روسيا: بوتين، الذي أشاد بترامب، يبدو المستفيد الأكبر من هذا الصراع، حيث يضعف زيلينسكي ويفتح الباب لتسوية لصالح موسكو.

5. التحليل النفسي والرمزي

ترامب يرى في زيلينسكي رمزاً لما يعتبره “هدراً” للمال الأمريكي، بينما يمثل زيلينسكي لترامب تحدياً لسلطته الشخصية. من جهته، ينظر زيلينسكي إلى ترامب كتهديد وجودي لبلاده، مما يجعل كل طرف يبالغ في ردود أفعاله. هذا التصعيد يعكس أيضاً صراعاً بين رؤيتين: ترامب الزعيم الشعبي الجديد للدولة التي يريد ان تستمر في قيادة العالم وزيلينسكي الذي يراهن على التضامن الدولي.

6. حقائق ميدانية

مؤخرا استغل الجيش الروسي ثغرات اكتشفوها في الدفاعات الجوية الاوكرانية وبدأوا في استهداف مواقع عسكرية هامة على حدود كورسك بتتمركز فيها القوات الأوكرانية.

حجم الخسائر كان كارثيا، فقد الجيش الروسي حرر بلدة نوفايا سوروشينا، وتقدمت وحدات الهجوم للمناطق الحرجية المحيطة وخرج الجيش الاوكراني من ليبيديفكا وتقدم الجيش الروسي مسافة 6700 متر وخسرت اوكرانيا أنظمة الدفاع الجوي في سومي المجاورة.

الخلاصة

الشجار بين ترامب وزيلينسكي ليس مجرد نزاع شخصي، بل انعكاس لخلافات استراتيجية عميقة حول الحرب في أوكرانيا والدور الأمريكي في العالم. ترامب يستخدم الضغط لفرض رؤيته، بينما يقاوم زيلينسكي للحفاظ على دعم حيوي لبلاده. النتيجة قد تعيد تشكيل التحالفات الدولية، مع مخاطر كبيرة على أوكرانيا إذا فقدت الغطاء الأمريكي، وربما انتصار غير مباشر لروسيا إذا استمر التصعيد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى